ويتواصل انهلاله ثلاثة أيام كاملة.
حدث كوني لم نعرفه من قبل، غضبة فلكية كاسرة، وينصب من الجبل طوفان، فيندفع نحو الممر بسرعة قطار صاخب، ويزمجر في هدير شامل تحت التماعات البرق الخاطفة وهزيم الرعد المجعجع.
وتختفي أرض الحارة تحت طبقات من المياه المركزة المحصورة، وتأخذ المياه في الارتفاع فتغرق البدرومات وتكتسح الدكاكين والوكالات والأدوار السفلية، وباحة السبيل وفناء المدرسة، وتجعل من القبو خزانا، ومن الساحة بحيرة، ومن الممر الضيق بين التكية والسور نهرا زاخرا، ثم تجتاح المياه المقابر فتجرفها وتقذف بالعظام والجثث في أخاديد لا حصر لها، تغطيها الأكفان والخرق البالية.
وتنهدم بيوت وتنقلب الأسقف مصافي وثقوبا، فيهجر الحارة أهلها مذعورين وينتشرون في الصحراء لاجئين مشردين، والخراب يحيط بهم وارثا الأرض وما عليها.
محنة لا تنسى.
وذكرى مبللة بالدموع.
الحكاية رقم «56»
لعب الطموح بقلب عبدون الحلوة العامل بالوكالة، فقرر - كما فعل زيان في زمن أسبق - محاولة الانضمام إلى عصابة «الدقمة» فتوة حارتنا، واسترشد بأحد كبار العارفين فقال له: احذر أن تقترب منه بهذه السحنة أو هذه الرائحة أو هذا الجلباب المزيت، كن مثل الماء الصافي النقي ثم جرب حظك.
وقال له أيضا: فتوتنا يحب الجمال والنقاء، وهو طراز وحده في سلسلة فتواتنا، فافهم ذلك جيدا.
واقتنع عبدون بأن الطريق إلى الدقمة ممهد ميسور، فذهب إلى الحمام ليغير جلده في المغطس، وأعد جلبابا ومركوبا جديدين، وفيما هو منهمك في تجديد نفسه سأله صاحب له: ماذا هناك يا عبدون؟ هل تفكر في الزواج؟
Unknown page