ويتحدث مدرس الجغرافيا ذات مساء في المقهى فيقول: نحن نتوهم أننا حققنا الأمان لأنفسنا وأنه لم يعد ثمة ما نخافه!
فيتعجب السامعون لقوله، فيقول: كأن معاركنا مع الحارات المجاورة هي جملة ما يهدد سلامتنا!
فيزداد تعجب الناس من قوله وادعائه، أما هو فيمضي قائلا: هنالك خطر هائل لا يفطن له أحد ولكنه كفيل بالقضاء على حارتنا كلها بضربة واحدة.
ولما يسألونه عن الخطر المزعوم يجيب: الممر الذي شق في السور الشرقي. - ممر السبيل؟ - لو ينهمر من السماء سيل فيكتسح السفح وينقض على الممر فيغرق الحارة!
وتتجمع في أعينهم أمارات الذهول والسخرية، ويقولون: إنها لا تمطر في العام إلا مطرة واحدة وهي مطرة خفيفة كالدعابة.
ولكنه يستطرد غير مبال باعتراضهم: الجبل فوقنا ونحن نربض عند قدميه، وحارتنا منخفضة في الوسط.
ويضحك الجماعة ويقولون ساخرين: يريد منا أن نستهين بخطر داهم عاجل لاتقاء خطر وهمي لا يقع إلا في خياله. •••
وتمضي أعوام والحارة منهمكة في صراعها اليومي، المدرس يكرر تحذيره بين آونة وأخرى، فلا يلقى إلا هازئا حتى أطلق عليه «الأستاذ مسيلمة». •••
وتربد السماء ذات شتاء فتتراكم السحب وتسود وتهبط فوق المآذن، وتهب عاصفة تدك العلالي فوق الأسطح وتلعب بأشجار التوت في التكية.
وينهل المطر كأنه أنهار تتدفق من عل.
Unknown page