ولما دنا العيد استشعرت الدجاج أن الكارثة تحيق بهم. لم ينسوا مذابح السنين الماضيات وأهوالها فرأوا أن يرفعوا أبصارهم نحو العلاء ويسألوا من بيده الأعمار أن يرد عنهم الضربة التي تنزل بهم كل عام في مثل ليلة عيد الميلاد. فعلا صياحهم ورفت أجنحتهم، فقال زعيمهم الديك المرقش: تشددوا يا إخوتي، فالفزع في مثل هذه الساعة لا يجدي، فهبوا بنا نصلي.
فقالت دجاجة أكسبتها الشيخوخة خبرة: ومتى عرفنا الصلاة حتى تدعونا إليها أيها الناسك؟! فلنقاوم ما استطعنا.
فاستضحك ديك الحبش بلهجته المعهودة، فظن سرب الدجاج أن هناك بطلا يربح المعركة إذا خاضها. صوت عريض يرسله متقطعا، فيخيف السامع الذي لا يعرف شجاعة الديك الرومي. ثم سكت ليعود إلى مثل تلك النغمة المزعجة فقال له الديك: وبعد هذا ماذا؟!
قل، فنحن مصغون إليك. فلم يزد على شهقاته المعهودة. ولما لم يقل شيئا قال له الديك البلدي: تفضل صل بنا فنحن خاشعون.
فقالت دجاجة في عز شبابها: هذا تنبل. لا يعرف إلا أن يتنفش ويزهى، ويخضر ويحمر، والله لا يحب المتكبرين، المتلونين. فإن كان ولا بد فأنت تصلي لأن صلاة هذا لا يفهمها الله ولا عبيده، فصوته الكريه يجلب علينا غضب الله لا رحمته.
فشقشق الديك الرومي من الغيظ وخرج من بين جماعة الدجاج، فضحكت إحداهن وقالت: إنه هو المطلوب أولا، فليذهب حيث شاء، وفي هذا المساء تقبض روحه إن شاء الله.
ووقف الديك خاشعا، وطفق يناجي ربه، راجيا أن ينجى معشر الدجاج من المجزرة: يا رب الجميع، لا تسد أذنيك عن تضرعات عبيدك الدجاج، فأنت خلقتهم ضعافا ومن حقهم أن تحميهم، ومن للضعيف غيرك يا الله؟!
إن الإنسان الذي خلقته على صورتك ومثالك، يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء. فأية بدعة هذه خلقها ابن البشر ليأكلنا ليلة عيد ميلادك يا رسول الرحمة. أيقول بلسانه: وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ثم يهاجمنا ليخطف أرواحنا! أما أنت قلت: أريد رحمة لا ذبيحة؟ فما لهم في هذا اليوم يذبحوننا بمئات الألوف.
أصدقوا قول واحد منهم، زعموا أنه نبي، قال في مزاميره عن الإنسان: على أعمال يديك سلطته، جعلت كل شيء تحت قدميه، الغنم والبقر جميعا، وبهائم البر وطيور السماء، وسمك البحر السالك في سبيل المياه.
فإذا كانت تلك مشئيتك حقا، فأين عدالتك ورحمتك يا رب؟ هل في مخلوقاتك من يستيقظ مثلي في نصف الليل، وعند بزوغ الفجر، وفي الصباح ليسبحك ويتهلل ممجدا عظمتك وجبروتك؟
Unknown page