4
ومن ثمة كانت عنايته بهذا الموضوع، وله في هذا الباب نظائر ...!
ثم أنشأ مقالة «أحلام في الشارع»، وقصتها أنني كنت أساهر الرافعي ليلة، فلما انتهت السهرة صحبته إلى قريب من داره ، ومررنا في طريقنا بدار «بنك مصر-طنطا»، وقد انتصف الليل، فلما صرنا قبالة «البنك» وقف الرافعي هنيهة ليشهد منظرا استرعى انتباهه: طفل وطفلة من أبناء الشوارع نائمان على عتبة البنك، وقد توسدت الفتاة ذراعا وألقت ذراعا على أخيها ... ووقف الرافعي ووقفت ... ورأى الشرطي ما رأينا فأسرع إلى الطفلين ...
وفي الغد أملى علي الرافعي مقالة «أحلام في الشارع!» ... وكانت المقالة التالية «في اللهب ولا تحترق!»
وهي الممثلة الراقصة المغنية ف ... وكانت تعمل في فرقة من الفرق التمثيلية المتنقلة بين الحواضر، حلت مع فرقتها في طنطا في صيف سنة 1934، ولسبب ما لم يذهب الرافعي إلى مصيفه في «سيدي بشر» ذلك العام، واستغنى عن البحر والمصيف بما قد يكون في طنطا من أسباب الترويح والرياضة، وإن فيها لغناء وعوضا.
وكنا ثلاثة من أصدقاء الرافعي نسمر معه كل مساء «س، أ، ع» وجلسنا حوله ذات ليلة وكان متعبا مكدودا يشعر بحاجته إلى لون من ألوان الرياضة يرد إليه نشاطه وانبساطه، قال: «أين تقترحون أن نقضي الليلة؟»
قال «أ»: «إن في منتزه البلدية فرقة تمثيلية هبطت المدينة منذ أيام، وإن فيها لمغنية راقصة، أحسبها خليقة بأن توحي إليك بفصل جديد من أوراق الورد!»
فمط الرافعي شفتيه ولم يعجبه الاقتراح، وأحسب أن الصديقين «أ» و«ع» كانا على رغبة مشتركة في هذه السهرة، فما أحسا رفض الرافعي حتى قال «ع»: «... ولكنها راقصة ليست كالراقصات، إنها صوامة قوامة، تصوم الشهر وستة أيام بعده، وتقوم الليل إلا أقله، وتصلي الخمس في مواعيد الخمس، وما أحسب رقصها وغناءها إلا تسبيحا وعبادة ... إنها ...!»
مغنية وراقصة، ولكنها صوامة قوامة ... يا عجبا! وهل في الراقصات كهذه التي يصفها الصديق العابث «ع»؟ ... ولكن الرافعي صدق، وعرف الصديق طريق الإقناع إلى قلب الرافعي، واتفقنا على الرأي. «هذه هي الراقصة التي أعني ...» هكذا قال الصديق «ع» فاشرأب الرافعي ينظر من وراء الصفوف، لقد رآها، ولكنها لم تكن أمام عينيه كما كانت في أعين الناس ... كانت تحت عينيه إنسانة أخرى لها طهر وقداسة واحترام ...
هذا الصدر الناهد، وهذه الساق اللفاء، وذلك القوام الأهيف، وهاتان العينان الحالمتان، وهذا الخد الناضر، وهذه الشفة الباسمة، وذلك الشعر اللامع ...
Unknown page