Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
وقد كان فيلون رواقيا على حافة الأبيقورية، فقال في كلامه عن إبراهيم مفسرا اسم إسحاق: «إن معنى إسحاق في لغتنا الضاحك، ولكن الضحك هنا غير الضحك الذي يأتي من سرور الجسد، فهو سرور المعرفة الصالحة، هذا هو الفرح، هذا الفرح الذي روي لنا أن الحكيم إبراهام قدمه قربانا إلى الله، مبينا ذلك في هذا الرمز أن الفرح على صلة وثيقة بالله وحده، إذ الإنسان عرضة للحزن والخوف من الشرور الحاضرة والمتوقعة، وليس الحزن ولا الخوف من طبيعة الله.»
ومذهب فيلون في الصلاة أن الإنسان يصلي شكرا لله على ما في الكون كله وخلائقه كلها، ومنها بنو آدم جميعا رجالا ونساء ويونان وبرابرة، ومنها ذات المصلى جسدا وروحا ومنطقا وعقلا وحسا، فإن الصلاة على هذا المثال جديرة أن تستجاب.
وينقسم الإنسان عند فيلون إلى ثلاثة أقسام: وليد الأرض، ووليد السماء، ووليد الله؛ فوليد الأرض من يطلب متاع الجسد، ووليد السماء من يطلب متاع الفكر، ووليد الله من تجرد عن الدنيا، وأقبل بجملته على عالم فوق هذا العالم معصوم من الفناء براء من المادة، في زمرة الهداة والمرسلين.
وليس فيلون من دعاة العزلة في الصوامع؛ لأن اختلاف المكان لا يصنع شيئا، وإنما الخير كله من الله حيث كان، وهو كائن في كل مكان يهدي ركاب الروح إلى حيث يشاء.
كذلك لم يكن يستعظم ضحية القرابين كما قال في كلامه عن الشرائع الخاصة: «إن الله لا يفرح بالضحايا ولو حسبت بالمئات؛ لأنه مالك كل شيء، ومعطي الناس كل شيء ومن عطاياه تلك الضحايا، وقد يكون التقرب بخبز الشعير أقوم عنده من التقرب بالنفائس والذخائر، بل من تقدم إليه بنفسه لا يحتقب شيئا غير الصدق وخلوص النية، أكرم عنده ممن يبذل الأموال ويسيء الأقوال والفعال.»
وقد كان فيلون عالميا يخاطب بني الإنسان كافة، وكان يقول إن إسرائيل إنما سمي بهذا الاسم لأنه ينظر إلى الله، فكل ناظر إلى الله إسرائيل. ولكن هذه الدعوة العالمية لم تصرفه قط عن العصبية القومية، ولم ينس قط في كلامه عن بني إسرائيل أنهم هداة الأمم، وأنهم أحق عشائر الإنسان بإعجاب جميع العشائر، فإن الآثينيين يرفضون شعائر اللقدمونيين، كما يرفض اللقدمونيون شعائر الآثينيين، ولم يعهد في المصريين أنهم يأخذون بتقاليد السيثيين، أو في السيثيين أنهم يأخذون بتقاليد المصريين، وأهل أوربة يعرضون عن عادات أهل آسيا، وأهل آسيا يعرضون عن عادات أهل أوربة، ولكن اليوم السابع الذي يستريح فيه اليهود مرعي الحرمة عند جميع الأقوام، ويوم الكفارة من كل سنة أقدس من الشهر الحرام في عرف الإغريق؛ إذ هو شهر يبطل فيه القتال، ولكنه يغري الناس بالإفراط في الشراب والطعام وشهوات الأجسام، وشتان هذا من موسم الصيام عند بني إسرائيل.
يقول هذا عن قومه، في كلامه عن حياة موسى - عليه السلام - ولكنه يقول في كلامه عن الشرائع الخاصة إن إسرائيل بين الأمم كاليتيم المضيع بين الغرباء، لا يأخذ بناصرهم أحد إذا تألبت الأقوام وتعصبت العشائر، وذنبهم عند الناس أنهم يدينون أنفسهم بالفرائض الصارمة، ويتزمتون في المعيشة، والصرامة ثقيلة على الطباع، والتزمت بغيض إلى النفوس. ومع هذا يقول لنا موسى إن يتم إسرائيل يستجلب لها شفقة الله مدبر الكون الذي وقعت إسرائيل من نصيبه، وفرزت من العالم كما تفرز بواكير الثمار هدية للخالق والأب الرحيم. •••
تلك غاية الشوط الذي انتهى إليه فيلون في زمنه، ولا يعتبر فيلون من الأئمة ذوي الأتباع في الديانة الموسوية، ولكنه يعتبر نموذجا صالحا لتلك الديانة كما يفهمها الحكيم المطلع المتدين في أوائل عصر الميلاد.
الباب الثالث
تاريخ الميلاد
Unknown page