Harb Wa Salam
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
Genres
فقال الأمير فاقد الصبر - وهو يمر بيده على رأسه الأصلع، ويعيد النضد بانفعال إلى مكانه الأول: نعم بلا شك، ولكن ... ولكن، إنك لا تجهلين أن الكونت حرر وصية في الشتاء الأخير، جعل بيير بموجبها الوريث الوحيد لكل ثرواته وأملاكه، حارما كل الورثة المباشرين الآخرين.
فقالت الأميرة ببرود: وصايا، لقد حرر أكثر من وصية! لكنه ما استطاع إقامة بيير وريثا شرعيا، إن بيير ولد طبيعي!
جذب الأمير بازيل النضد إليه، وضغطه على صدره بشدة، وراح يتحدث باندفاع وسرعة، قال: ما رأيك يا عزيزتي، إذا كان قد حرر ملتمسا إلى الإمبراطور؟ إن إقامة شرعية بنوة بيير ستمنح له - ولا شك - نظرا لخدماته الجليلة السابقة للعرش!
ابتسمت الأميرة ابتسامة الذي يعرف أكثر مما يظن المتحدثون، بينما استطرد الأمير وهو يمسك بيدها قائلا: إنني محدثك بأكثر من ذلك؛ لقد حصل على تأييد جهات مسئولة متعددة على ملتمسه، لكنه لم يرسله بعد إلى الإمبراطور، غير أن جلالته أعلم بسير الأمور وبرغبة الكونت، والأمر الآن متوقف على معرفة مصير ذلك الملتمس، وهل أبلغ إلى الإمبراطور أم أتلف؟ فإذا لم يكن قد أتلف بعد، وقضي الأمر (وزفر زفرة ليصبغ على عبارة «قضي الأمر» المعنى الذي يهدف إليه) واطلعوا على وصية الكونت وملتمسه بين أوراقه، فإن رسالته سترفع إلى الإمبراطور حتما، وسينظر جلالته في طلب الكونت بعين الاعتبار، ويؤيد شرعية انتساب بيير إلى الكونت، فيصبح - عندئذ - الوريث الأوحد.
سألت الأميرة التي كانت ضحكتها تنبئ بأنها تصدق كل شيء إلا هذا: والقسم الذي يعود إلينا؟ - ولكن يا «كاتيشتي» المسكينة، إن ذلك واضح وضح النهار، إنه سيصبح الوريث الشرعي، فلا يمكن أن تنالي شيئا، فابحثي إذن عما إذا كانت الوصية والرسالة قد كتبتا، وإذا كانتا قد أتلفتا أم لا. فإذا كانتا منسيتين في مكان ما، لسبب من الأسباب، فيجب اكتشاف مكانهما مهما كلف الأمر؛ لأن ...
فقاطعته الأميرة بابتسامة ساخرة، دون أن تتبدل نظرتها الجامدة، وصاحت: هراء! إنني امرأة وأنت تعتقد أن كل النساء سخيفات، مع ذلك، فإن لي من العقل ما يكفي لإقناعي بأن الابن غير الشرعي لا يمكن أن يرث. إنه ابن سفاح.
أرادت بهذه الكلمة أن تبين للأمير حقيقة بيير، لتثبت له فساد نظريته، غير أن الأمير لم يقتنع، قال يناقشها: ولكن يا كاتيش، كيف لا تفهمين - رغم ذكائك المتقد - أن الكونت إذا منح إذنا يسمح له باعتبار بيير ابنا شرعيا له، فإن هذا يصبح على الفور كونت بيزوخوف، والوريث الأوحد؟! فإذا كانت الوصية والرسالة سليمتين لم تتلفا، فلن يبقى لك إلا أن تعزي نفسك بأنك قمت بواجبك حيال الكونت قبل وفاته، إلى آخر ما هنالك، إن ذلك واضح.
قالت الأميرة بتلك اللهجة التي تعمد إليها النساء عندما يتعمدن إبراز شيء يعتقدن أن فيه ما يشير إلى الذكاء المفرط أو يتعمدن تجريح الشخص المخاطب به: إنني أعرف أنه حرر وصية، لكني أعرف كذلك أن تلك الوصية لا قيمة لها، فهل تعتقد أنني حمقاء يابن عمي؟
استطرد الأمير بلهجة منكدة: يا عزيزتي كاترين سيميونوفنا المحبوبة، إذا كنت قد جئت للقائك، فإنني لم أهدف إلى مبارزتك بالفكر والدهاء والخدع، بل لأتحدث إليك عن مصالحك كما يتحدث المرء مع إحدى قريباته، مع قريبة حقيقية طيبة ممتازة، إنني أكرر لك للمرة العاشرة يا عزيزتي، أنه إذا كان الملتمس الموجه للإمبراطور، ووصية الكونت لصالح بيير، موجودين بين أوراقه، فإنك لا أنت ولا شقيقاتك يمكنكن أن تعتمدن على الإرث، وإذا كنت لا تصدقينني، يمكنك السؤال من الأشخاص المختصين المسئولين، لقد تحدثت منذ حين إلى ديمتري أونوويئيتش - وهو محامي الكونت - وقد أيد رأيي بكليته.
ولعل أفكار الأميرة اتجهت فجأة وجهة جديدة؛ إذ امتقعت شفتاها الرقيقتان، رغم تلك النظرة الثابتة التي لم تبارح عينيها الشاخصتين، فلما تحدثت، كان لصوتها وقع أدهشها - قبل غيرها - ما اعتراه من تأثر.
Unknown page