98

Harb Wa Salam

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

Genres

فأجاب الأمير وهو يتهاوى على المقعد الذي بارحته الأميرة: لا شيء، لقد جئت لأتحدث معك بأمور مهمة يا كاتيش. رباه! إن الحرارة عندك خانقة! تعالي نجلس ونتحدث.

وكلمة كاتيش، هي التحريف لتصغير كاترين على الطريقة الفرنسية، وكاترين هو اسم الأميرة الكبرى.

قالت الأميرة وهي تجلس قبالة الأمير وعلى وجهها البارد برودة الصخر طابع من الجمود: لقد ظننت أن أمرا قد وقع. كنت أريد النوم قليلا يابن عمي، لكنني لن أستطيع. - حسنا، وماذا بعد يا عزيزتي؟

طرح الأمير ذلك السؤال بعد أن استجاب لحركته الغريزية، التي درج عليها كلما استغرق في التفكير العميق، فأخذ يد الأميرة، وأنزلها نحو الأرض ، وكانت عبارته «وماذا بعد يا عزيزتي؟» تحمل معاني كثيرة، كان كلاهما يفهمها دون حاجة إلى إعلانها وإظهارها.

راحت الأميرة تحدج الأمير بعينيها الكئيبتين، بنظرة خالية من المعاني والتعابير، وقد انتصب جذعها الأعجف، الذي يعوزه التناسق مع ساقيها القصيرتين، هزت برأسها، وألقت نظرة إلى الصور المقدسة، وزفرت.

وكانت تلك الحركة تعني: إما شدة الحزن، وإما الرغبة في راحة تستحقها، غير أن الأمير اعتبرها دلالة على التعب، فقال مواسيا: أتعتقدين بأن الحال ليست أليمة بالنسبة لي أيضا؟ إنني منهوك كحصان البريد، رغم ذلك، يجب أن أتحدث معك حديثا غاية في الخطورة والأهمية.

صمت الأمير بازيل، بينما أخذت وجنتاه تتشنجان دوريا تشنجات عصبية، تضفي على وجهه بشاعة ونفورا، لم يسبق للمجتمعات الراقية أن شهدت مثلها عليه. كانت في عينيه تعبيرات غير معهودة فيهما؛ إذ كان الخوف يتنازع فيهما مع الوقاحة والعتو، وكانت الأميرة تنظر بانتباه إلى الأمير بازيل، وهي تربت على رأس كلبها الصغير، الذي حملته على ركبتيها بيدين جافتين ناحلتين، بدا أنها لن تقطع الصمت ولو دام يوما كاملا؛ لذلك اضطر الأمير بازيل - بعد صراع داخلي مرير - إلى الشروع في الحديث والبدء به، قال: أصغي إلي يا أميرتي، وابنة عمي العزيزة كاترين سيميونوفنا، ينبغي للمرء أن يفكر في كل شيء في ظروف كهذه، ينبغي التفكير في المستقبل وفيكن. إنني أحبكن جميعا، كما أحب أبنائي، وأنت لا تجهلين ذلك.

لبثت الأميرة جامدة الوجه، تتأمله بنظرتها القاتمة، بينما أردف الأمير دون أن ينظر إلى وجهها، بعد أن دفع نضدا صغيرا بحركة عصبية: وأخيرا ينبغي أن أفكر في أسرتي، إنك تعرفين يا كاتيش أنك أنت وأختيك وزوجتي الوريثات الوحيدات المباشرات لثروة الكونت، إنني أعرف أنه يصعب عليك البحث في كل هذا، ويؤلمك مجرد التفكير فيه، إن ذلك هو شعوري كذلك، غير أنني يا صديقتي أقترب من الستين، ويجب أن أكون مستعدا لكل شيء، هل تعرفين أنني أرسلت في طلب بيير؟ لقد أصر الكونت على إحضاره وهو يشير إلى صورته.

راح الكونت يستفسرها بعينيه دون أن يستطيع التأكد من أنها تفكر فعلا فيما قاله لها، أم أنها تنظر إليه نظرة مجردة.

قالت تجيبه: إنني لا أطلب إلى الله يابن عمي إلا أمرا واحدا؛ وهو أن يشفق عليه، ويمنح روحه الطاهرة سلامة التحرر من ...

Unknown page