143

Ḥaqīqat al-īmān

حقيقة الإيمان

Genres

قال الطبري: "فتأويل الآية إذا: من أشرك بالله، واقترف ذنوبًا جمة فمات عليها قبل الإنابة والتوبة، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون أبدًا" (١) .
ونقل هذا القول عن ابن عباس وقتادة والأعمش كذلك.
وقال القرطبي: "قوله تعالى (سيئة) السيئة الشرك، ... وكذا قال الحسن وقتادة، قالا: والخطيئة الكبيرة. ولما قال تعالى: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) دل على أن المعلق على شرطين لا يتم بأقلهما، ومثله قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)، وقوله ﵇ لسفيان بن عبد الله الثقفي وقد قال له: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" (٢) . فدل ذلك على أن ارتكاب المعاصي دون الشرك لا يلزم منها الخلود في النار الناشئ عن الكفر.
أما عن قوله تعالى في النساء أن جزاء القاتل المتعمد هو نار جهنم خالدًا فيها، فإن هذا يجب أن يجمع مع قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)، فصح أن القتال يكون بين مؤمنين دون كفر أي منهم، كما أن الآية لم تنص على كفر القاتل العمد، وإنما هي نص في دخول النار خالدًا فيها، وهذا تقرير من الله ﷾ على استحقاقه لذلك، وإن لم يكن فيه إثبات الوقوع ذلك، لإمكان تخلف الوعيد حسب قاعدة أهل السُّنَّة في ذلك، من أن تخلف الوعيد من القادر صفة كمال له بعكس تخلف الوعد منه. هذا وجه، والوجه الآخر أنه يصح أن يكون الخلود هنا بمعنى طول المكث أو الأمد الطويل كما سبق أن نقلنا عن القرطبي، وإنما أخذنا بهذا الوجه وأجرينا هذا المفهوم على الآية، حتى لا ندفع أحاديث كثيرة ثبتت من قبل من عدم كفر مرتكب المعصية دون الشرك عامة.

(١) "الطبري" جـ١ ص ٣٨٦.
(٢) "القرطبي" جـ٢ ص ١٤.

1 / 143