Haqiqa
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Genres
المال للعمل كالعلم للعقل
هذا ولا شك أن البحث أحسن الذرائع للوقوف على الحقائق، لكن لما كنا غير قادرين على تحري كثير من المسائل العلمية بامتحانات نعيدها، واكتشافات نبديها، كان علينا أن نجد للبحث في أعمال غيرنا ممن توفر لهم ذلك، والاستنتاج بحسب ما ترشدنا إليه أفهامنا. وإذا كنا قاصرين عن تولي أمر كثير من هذه المباحث بأنفسنا، فلأن الطفرة في كل شيء محال، فدخول العلوم إلى بلادنا حديث العهد جدا، ولا يخفى ما يلزم للقيام بمثل هذه الأمور العظيمة من الاستعداد في النفس والتفرغ للعمل، وغير ذلك من المعدات والآلات مما لا ينال إلا بالمال، الذي لا يحصل عليه إلا بانضمام القلوب وانعقاد الهمم، حتى ننتقل من صف الحلميات إلى مراتب البشر، وتصير لنا ذاتية مستقلة نعرف بها. وهذا يحتاج إلى الغيرة الوطنية.
وإني - بكل أسف - أقول: إن تربية هذه المزية فينا لا يزال يلزم لها زمان طويل حتى تقوى، على أن ثروتنا مجتمعة هي دون ذلك بكثير، فكيف بنا وأغنياؤنا القادرون لاهون، وأفرادنا المشتغلون بالعلم قليلون، وهم بسلاسل العسر مكبلون؟ إلا أننا ببحثنا في أعمال غيرنا على ما في إمكاننا نمهد السبيل لأولادنا، فيأتون من بعدنا وبهم في النفس قوة، وفي العقل استعداد أعظم من قوتنا واستعدادنا؛ فيتولون القيام بهذه الأعمال العظيمة بأنفسهم، وتتحقق بهم أمانينا التي تصير بهم آمالا تنال، وأعمالا تتسابق في مضمارها همم الرجال. ا.ه.
1
ملحق في مباحث في الحياة لتأييد الرأي المادي فيها من سنة 1878
استفهام1
(1) حضرة منشئي المقتطف الفاضلين
قرأت في الجزء الأول من السنة الثالثة من المقتطف المفيد كلاما وجيزا فيما خص الحياة، وهل هي من الظواهر الذاتية الطبيعية الخاضعة لنواميس الطبيعة في مبدئها ومبدأ الأنواع الحية، أم هي خلق خالق رسم صورة كل نوع وأودعها في جرثومة خصوصية، وقد أشرتم فيه إلى الاختلاف الكائن بين جمهور العلماء من هذا القبيل وتعسف بعضهم، ثم قلتم: إن هذه المسألة قاربت النهاية، وأن الحزب القائل بخلق البذور أو الجراثيم على أنواعها دفعة واحدة في بادئ الخلق قد استظهر على سواه، بناء على تجارب أحد فطاحله؛ العلامة تندل الشهير.
وقد راسل بها العلامة هكسلي يصفها له - كما في الجرائد - ويعلمه أن الحيوانات - التي زعم الخصم بتولدها من نفسها - أتت من الهواء المنتشرة فيه بذورها، ولو انقطع الهواء عن التراكيب التي يزعم هذا الخصم أن الحياة تتولد فيها لبقيت كل أيامها خالية من أثر الحياة، ومن عبارتكم يظهر أن كل دليله قائم على انقطاع الهواء عن تلك التراكيب، وهو كلام منقوض لا يبنى عليه حكم، كما لا يخفى على حضرتكم؛ لأنه هل يمكن ظهور حياة أو حفظ حياة ظاهرة إذا امتنع الهواء؟ وإذا كان لا يمكن؛ فلماذا نتوهم السبب في عدم وصول البذور المزعوم بها إلى هذه التراكيب، وليس في انقطاع الهواء نفسه عنها، طالما نعرف جيدا أن لا حياة حيث لا هواء؟
على أن العلامة المذكور لم يكن ليعتمد على مثل هذا الدليل، ولعل له أو لغيره أدلة أخرى علمية قاطعة لا تنقض حتى زعم بفوزه وفوز أصحابه، فنرجو من حضرتكم - على ما عودتم قراءكم من الإرشاد والإفادة - أن تفيدونا، إذا أمكن في مقتطفكم، عن حقيقة هذا الأمر الذي يهم العلم جدا؛ لما يتوقف عليه من الأمور الكلية في سيره. جزاكم الله خيرا، ولكم الفضل.
Unknown page