والتورانيون أشد الغزاة تحويلا لعروق الهند من الناحية الجثمانية، والآريون هم الذين تركوا أقوى الأثر في عروق الهند من الناحية المدنية، فمن التورانيين أخذ سكان الهند نسب أجسامهم وتقاطيع وجوههم، وعن الآريين أخذ سكان الهند لغتهم ودينهم وسجيتهم وطبائعهم، وفي الهند تبصر 170000000 هندوسي يتكلمون باللغات الآرية مع أنك لا تجد من هذه الملايين غير فريق قليل يتصل بالعرق الأبيض الخالص اتصال دم.
والتورانيون أول من قصدوا الهند، فأقاموا في البداءة بجميع وادي السند وبقسم من وادي الغنج، وكانوا كلما زاد عددهم بمن ينضم إليهم من العصب الجديدة أوغلوا في داخل الهند فدخلوا الدكن في آخر الأمر، فاندحر أمامهم الأهلون، كما اندحروا أمام الشعوب الصفر فيما مضى، فاضطر هؤلاء الأهلون الذين عجزوا عن الدفاع إلى الاعتصام بمناطق الدكن الوسطى الجبلية ذوات الغاب والآجام.
ففي تلك الجبال الوسطى يجب، كما قلنا، البحث عن حفدة قدماء السكان، أي قدماء الدراويد أو الزنوج الخلص، وأكثر هؤلاء الشعوب القديمة عددا وأعظمهم أهمية هم الذين يعرفون بالكول، ويقطن الكول في جهوتاناغبور الواقعة في وادي مهاندي الأعلى، ويقسمون إلى عدة أقوام تهندوا، مع بقاء نحو مليون شخص منهم غير مقتبسين شيئا من عادات الدراويد، الذين يسكنون الأودية والسهول، ومعتقداتهم.
ومن لفظ «الكول» الدال على أهم الشعوب الأصلية اشتق التعبيران «الجماعة الكولية واللغة الكولية» الدالان على أكثر سكان المنطقة الجبلية القاطعة شبه جزيرة الهند من خليج كمبي إلى نهر الغنج وعلى لهجاتهم، وفي اتجاه الشرق من هذه المنطقة، على الخصوص، تبدو بكثرة الشعوب الفطرية التي لم تتوالد هي والشعوب الأخرى، ويعيش في اتجاه منابع برهمني الواقعة في شمال وادي مهاندي «أصحاب الأجمة» الذين يعرفون بالدوانغ، فيقولون إنهم أقدم البشر فيبدون وحوشا من كل وجه.
ونحن، إذ نشير إلى اللغة الكولية، نقول: إن اللغات في الهند لا تعين العروق، فالشعب الذي يتكلم باللغة الكولية الخالصة فيسمى بسانتهال لم يكن من سكان الهند الأصلين ما أشبع من العنصر الأصفر، ولا يبحث في الجنوب، حيث تسود اللغات الدراويدية، عن حفدة العرق الآسيوي الشرقي الذي أدخل هذه اللغات إلى الهند، ولا يخرج عن هذا المعنى قولنا إن الشعوب الهندية التي يمكنها أن تعتز بانتسابها إلى أجداد آريين هي أقل الهنود عددا مع شيوع اللغات الآرية أكثر من سواها في الهند.
وحينما دخل العرق الأبيض، الذي نسميه بالعرق الآري، الهند اضطر إلى مقاتلة الدول المنظمة القوية التي أقامها التورانيون، لا الشعوب المتوحشة العزل الهيابة، فقهر ما هو قائم منها في وادي السند، فاستقر بهذا الوادي زمنا طويلا قبل أن يوغل في غرب الهند وجنوبها.
وما كان الآريون ليجاوزوا المنطقة التي تحميها جبال وندهيا قبل الميلاد بخمسة عشر قرنا، وكان استعباد تورانيي الشمال أول ما صنعوه فجعلوا منهم طبقة الويشية «التجار» التي تجيء بعد طبقة البراهمة «الكهنة» وطبقة الأكشترية «المقاتلة»، ولم يجعلوا بعدهم سوى طبقة الشودرا «الزراع» المؤلفة من سكان الهند الأصليين.
حل القرن الخامس عشر قبل الميلاد، فقام الآريون بغزوهم الأكبر الذي اتخذ موضوعا للراماينا «إيلياذة الهندوس»، فأوغلوا في الدكن بقيادة زعيمهم راما، فوصلوا، بعد ألف مفخرة، إلى نهاية شبه جزيرة الهند، فحملوا الناس، ومنهم أهل سيلان، على انتحال شرائعهم.
ومما جاء في أساطير الراماينا أن الآريين حاربوا الغيلان فاستعانوا بالقردة، فقلبوا عروش عبدة الأفاعي ملوك الناغا الأقوياء الأشداء رأسا على عقب، فنرى أن أولئك الناغا هم الفاتحون التورانيون الأولون الذين شادوا في جنوب الهند دولا زاهرة، فعبدوا، هم ورعاياهم قدماء الدراويد، الأفاعي، وأن أولئك القردة الذين أعانوا راما هم أهل البلاد السود.
وكان ذلك الغزو الآري لجنوب الهند حملة عسكرية أكثر من أن يكون استيلاء ما ظل عاطلا من أثر في البلاد المحتلة.
Unknown page