264

تصحبهم بما تحب أن يصحبوك به. وقيل : هو رسول وكتاب بدليل ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) [البقرة : 39] في مقابلة ( فمن تبع هداي ) في الإقدام على ما يلزم والإحجام عما يحرم فإنه سيصير إلى حالة لا خوف فيها ولا حزن. وهذه الجملة مع اختصارها تجمع شيئا كثيرا من المعاني ، لأن قوله ( فإما يأتينكم مني هدى ) دخل فيه الإنعام بجميع الأدلة العقلية والشرعية وزيادة البيان ، وجميع ما لا يتم ذلك إلا به من العقل ووجوه التمكين. وجمع قوله ( فمن تبع هداي ) تأمل الأدلة بحقها والنظر فيها واستنتاج المعارف منها والعمل بها ، وجمع قوله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) جميع ما أعد الله تعالى لأوليائه ، لأن الخوف ألم يحصل للنفس من توقع مكروه ، أو انتظار محذور ، وزواله يتضمن السلامة من جميع الآفات. والحزن ألم يعرض للنفس لفقد محبوب أو فوات مطلوب ، ونفيه يقتضي الوصول إلى كل اللذات والمرادات. وإنما قدم عدم الخوف على عدم الحزن لأن زوال ما لا ينبغي مقدم على حصول ما ينبغي ، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف عند الموت ، ولا في القبر ، ولا عند البعث ، ولا عند حضور الموقف ، ولا عند تطاير الكتب ، ولا عند نصب الميزان ، ولا عند الصراط ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [فصلت : 30] وقال قوم من المتكلمين : إن أهوال يوم القيامة تعم الكفار والفساق والمؤمنين بدليل قوله تعالى ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) [الحج : 2] ( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ) [المزمل : 17] ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم ) [المائدة : 109] ( فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين ) [الأعراف : 6] وفي الحديث «تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه» (1). وحديث الشفاعة وقول كل نبي «نفسي نفسي» إلا نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه يقول : أمتي أمتي مشهور. قلت : لا ريب أن وعد الله حق ، فمن وعده الأمن يكون آمنا لا محالة ، إلا أن الإنسان خلق ضعيفا لا يستيقن الأمن الكلي ما لم يصل إلى الجنة ، لأنه لا يطمئن قلبه ما لم ينضم له إلى علم اليقين عين اليقين ، وأيضا إن جلال الله وعظمته يدهش الإنسان برا كان أو

Page 266