Gharaib Quran
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
للمكان المبهم أي أي مكان من الجنة شئتما ، أو أي زمان شئتما ، فإن «حيث» قد يعبر به عن زمان مجهول. وإنما قيل هاهنا ( وكلا ) بالواو وفي الأعراف ( فكلا ) لأن كل فعل عطف عليه شيء وكان بينهما رابطة السببية يعطف الثاني على الأول بالفاء وإلا فبالواو كقوله تعالى في البقرة ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا ) [البقرة : 58] بالفاء ، لأن الدخول سبب الوصول إلى الأكل ، وكأنه قال : وإن دخلتموها أكلتم. وفي الأعراف ( وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا ) [الأعراف : 161] بالواو لأن السكنى وهي طول اللبث لا يختص وجوده بوجود الأكل ، لأن المجتاز قد يأكل أيضا ، فلهذا لم يعطف هاهنا بالفاء إذ المراد اسكن من السكنى ، وأما في الأعراف فالمراد اسكن بمعنى الدخول ثم السكون فصح العطف بالفاء.
والنهي في ( لا تقربا ) للتنزيه أو للتحريم ، الأصح الأول لأن الصيغة وردت في كليهما والأصل عدم الاشتراك فيجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو ترجيح لجانب الترك على الفعل من غير دلالة على المنع من الفعل ، أو الجواز. لكن الجواز ثابت بحكم الأصل ، فإن الأصل في الأشياء الإباحة ، فإذا ضممنا هذا الأصل إلى مدلول اللفظ صار المجموع دليلا على التنزيه وهذا أولى ، ليرجع حاصل معصيته إلى ترك الأولى فيكون أقرب إلى عصمة الأنبياء. وقيل : نهي تحريم قياسا على قوله ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) [البقرة : 222] وقوله ( ولا تقربوا مال اليتيم ) [الأنعام : 152] ولقوله ( فتكونا من الظالمين ) ولأنه استحق الإخراج من الجنة والرجوع إلى التوبة. والجواب أن التحريم في ( ولا تقربوهن ) [البقرة : 2] بدليل منفصل ، والظلم قد يراد به ترك الأولى ، والإخراج لم يكن بهذا السبب بل لما سيأتي إن شاء الله تعالى. ثم النهي عن القرب يفيد النهي عن الأكل بطريق الكناية ، فإن القرب إليها من أسباب الأكل منها ، ومما يدل على النهي عن الأكل صريحا قوله ( فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ) [الأعراف : 22]. وروي عن ابن عباس أن الشجرة هي البر والسنبلة ، وفي رواية عنه وعن ابن مسعود أنها الكرم ، وعن مجاهد وقتادة أنها التين ، وعن الربيع بن أنس كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث. قال المبرد : وأحسب أن كل ما له أغصان وعيدان فالعرب تسميه شجرا ، وقد لا يختص بما له ساق قال تعالى ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) [الصافات : 146] وأصل هذا أنه اسم لكل ما شجر أي أخذ يمنة ويسرة والتشاجر الاختلاف. واعلم أنه ليس في الظاهر ما يدل على التعيين ، ولا حاجة أيضا إلى بيانه. فليس المقصود تعريف الشجرة ، وما لم يكن مقصودا فذكره لا يجب على الحكيم بل يكون عبثا ، كما لو أراد أحدنا أن يقيم عذره في التخلف فقال : اشتغلت بضرب غلماني لإساءتهم الأدب. كان هذا القدر أحسن من أن يذكر عين الغلام واسمه وصفاته ، فلا يظنن أحد أن هاهنا تقصيرا في البيان.
Page 255