230

Al-Faṣl fī al-milal waʾl-ahwāʾ waʾl-niḥal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

القاهرة

من أخرجه مِنْهُ لَا سِيمَا إِلَى الْعِزّ وَالْحُرْمَة وَكَانُوا أَيْضا أهل عَسْكَر مُجْتَمع وَبني عمر يُمكنهُم التواطؤ ثمَّ كَانُوا أهل بلد صَغِير جدا قد تكنفهم الْأَعْدَاء من كل جَانب وَأما عِيسَى ﵇ فَمَا اتبعهُ إِلَّا نَحْو اثْنَي عشر رجلا معروفين وَنسَاء قَلِيل وَعدد لَا يبلغ جَمِيعهم وَفِي جُمْلَتهمْ الاثنا عشر إِلَّا مائَة وَعشْرين فَقَط هَكَذَا فِي نَص إنجيلهم وَكَانُوا مشردين مطرودين غير ظَاهِرين وَلَا يقوم بِمثل هَؤُلَاءِ ضَرُورَة يَقِين الْعلم وَأما مُحَمَّد ﷺ فَلَا يخْتَلف أحد فِي مشرق الأَرْض وغربها أَنه ﵇ أَتَى إِلَى قوم لقاح لَا يقرونَ بِملك وَلَا يطيعون لأحد وَلَا ينقادون لرئيس نَشأ على هَذَا آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم مُنْذُ أُلُوف من الأعوام قد سرى الْفَخر والعز والنخوة وَالْكبر وَالظُّلم والأنفة فِي طباعهم وهم أعداد عَظِيمَة قد ملؤا جَزِيرَة الْعَرَب وَهِي نَحْو شَهْرَيْن فِي شَهْرَيْن قد صَارَت طباعهم طباع السبَاع وهم أُلُوف الألوف قبائل وعشائر يتعصب بَعضهم لبَعض أبدا فَدَعَاهُمْ بِلَا مَال وَلَا اتِّبَاع بل خذله قومه إِلَى أَن ينحطوا من ذَلِك الْعِزّ إِلَى غرم الزَّكَاة وَمن الْحُرِّيَّة وَالظُّلم إِلَى جري الْأَحْكَام عَلَيْهِم وَمن طول الْأَيْدِي بقتل من أَحبُّوا وَأخذ مَال من أَحبُّوا إِلَى الْقصاص من النَّفس وَمن قطع الْأَعْضَاء وَمن اللَّطْمَة من أجل من فيهم لأَقل علج غَرِيب دخل فيهم وَإِلَى إِسْقَاط الأنفة وَالْفَخْر إِلَى ضرب الظُّهُور بالسياط أَو بالنعال إِن شربوا خمرًا أَو قذفوا إنْسَانا وَإِلَى الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَالرَّجم بِالْحِجَارَةِ إِلَى أَن يموتوا إِن زنوا فانقاد أَكْثَرهم لكل ذَلِك طَوْعًا بِلَا طمع وَلَا غَلَبَة وَلَا خوف مَا مِنْهُم أحد أَخذ بِغَلَبَة إِلَّا مَكَّة وخيبر فَقَط وَمَا غزا قطّ غَزْوَة يُقَاتل فِيهَا إِلَّا تسع غزوات بَعْضهَا عَلَيْهِ وَبَعضهَا لَهُ فصح ضَرُورَة أَنهم إِنَّمَا آمنُوا بِهِ طَوْعًا لَا كرها وتبدلت طبعائهم بقدرة الله تَعَالَى من الظُّلم إِلَى الْعدْل وَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم وَمن الْفسق وَالْقَسْوَة إِلَى الْعدْل الْعَظِيم الَّذِي لم يبلغهُ أكَابِر الفلاسفة وأسقطوا كلهم أَوَّلهمْ عَن آخِرهم طلب الثأر وَصَحب الرجل مِنْهُم قَاتل ابْنه وَأَبِيهِ وأعدى النَّاس لَهُ صُحْبَة الْأُخوة المتحابين دون خوف يجمعهُمْ وَلَا رياسة ينفردون بهَا دون من أسلم من غَيرهم وَلَا مَال يتعجلونه فقد علم النَّاس كَيفَ كَانَت سيرة أبي بكر وَعمر ﵄ وَكَيف كَانَت طَاعَة الْعَرَب لَهما بِلَا رزق وَلَا عَطاء وَلَا غَلَبَة فَهَل هَذَا إِلَّا بِغَلَبَة من الله تَعَالَى على نُفُوسهم وقره ﷿ لطباعهم كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا ألفت بَين قُلُوبهم وَلَكِن الله ألف بَينهم﴾ ثمَّ بَقِي ﵇ كَذَلِك بَين أظهرهم بِلَا حارس وَلَا ديوَان جند وَلَا بَيت مَال محروسًا مَعْصُوما وَهَكَذَا نقلت آيَاته ومعجزاته فَإِنَّمَا يَصح من أَعْلَام الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين مَا نقل عَنهُ ﵇ بِصِحَّة الطَّرِيق إِلَيْهِ وارتفاع دواعي الْكَذِب والعصبية جملَة عَن اتِّبَاعه فِيهِ فجمهورهم غرباء من غير قومه لم يمنهم بدنيا وَلَا وعدهم بِملك وَهَذَا لَا يُنكره أحد من النَّاس وَأَيْضًا فَإِن سيرة مُحَمَّد ﷺ لمن تدبرها تَقْتَضِي تَصْدِيقه ضَرُورَة وَتشهد لَهُ بِأَنَّهُ رَسُول الله ﷺ حَقًا فَلَو لم تكن لَهُ معْجزَة غير سيرته ﷺ لكفى وَذَلِكَ أَنه ﵇ نَشأ كَمَا قُلْنَا فِي بِلَاد الْجَهْل لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب وَلَا خرج عَن

2 / 73