229

Al-Faṣl fī al-milal waʾl-ahwāʾ waʾl-niḥal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

القاهرة

من الْمُلُوك قسطنطين بعد نَحْو ثَلَاثمِائَة سنة من رفع الْمَسِيح فو الله مَا قدر على إِظْهَار النصراينة حَتَّى رَحل عَن رُومِية مسيرَة شهر وَبني برنطية وَهِي قسطنطينية ثمَّ أجبر النَّاس على النصراينة بِالسَّيْفِ وَالعطَاء وَكَانَ من عهوده المحفوظة أَن لَا يولي ولَايَة إِلَّا من تنصر من النَّاس سراع إِلَى الدُّنْيَا نافرون عَن الْأَدْنَى وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله على مَذْهَب أريوس لَا على التَّثْلِيث وَلَكِن هَذَا من دَعْوَى النَّصَارَى وكذبهم مُضَاف إِلَى مَا يَدعُونَهُ من أَنهم بعد هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة وَبعد خراب بَيت الْمُقَدّس مرّة بعد أُخْرَى وبقائه خرابًا لَا سَاكن فِيهِ نَحْو مِائَتي عَام وَسبعين عَاما وجدوا الشوك وضع الَّذِي على رَأس الْمَسِيح بزعمهم والمسامير الَّتِي ضربت فِي يَدَيْهِ وَالدَّم الَّذِي طَار من جنبه والخشبة الَّتِي صلب عَلَيْهَا فَلَا أَدْرِي مِمَّن الْعجب أممن اخترع مثل هَذِه الكذبة الغثة المفضوحة أم مِمَّن قبلهَا وَصدق بهَا ودان باعتقادها وصلب وَجهه للْحَدِيث بهَا لَيْت شعري أَيْن بَقِي ذَلِك الشوك وَذَلِكَ الدله سَالِمين وَتلك المسامير وَتلك الْخَشَبَة طول تِلْكَ الْمدَّة وَأهل ذَلِك مطرودون مقتولون كَقَتل من تستر بالزندقة الْيَوْم وَتلك الْمَدِينَة خراب الدهور الطوَال لَا يسكنهَا أحد إِلَّا السبَاع والوحش وَقد شاهدنا ملوكًا جلت لَهُم الأتباع ولأولاد الشيع والأقارب صلبوا فَمَا مَضَت مُدَّة يسيرَة حَتَّى لم يبْقى لتِلْك الْخشب أثر فَكيف أَمر لَا طَالب لَهُ وبدول قد انْقَطَعت وبلاد قد أقفرت وخلت ونسيت أَخْبَارهَا وَهَذِه الْبردَة الَّتِي كَانَت للنَّبِي ﷺ والقصعة وَالسيف على أَن الدولة مُتَّصِلَة لم تتخرم مُنْذُ حِينَئِذٍ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين قد دخلت الدَّاخِلَة فِي الْقَصعَة وَالسيف حَتَّى لَا يَقِين عندنَا مِنْهُمَا الْيَوْم وَلَوْلَا تداول الْخُلَفَاء للباس الْبردَة أبدا الآبد فينقل أمرهَا جيلًا بعد جيل والمنبر كَذَلِك لما قَطعنَا عَلَيْهِمَا وَلَكِن التداول لَهما أمة بعد أمة وهما قائمان ظاهران للنَّاس هُوَ أوجب الْيَقِين بهما وَرفع الشَّك فيهمَا وَكَذَلِكَ كل مَا جرى هَذَا المجرى ثمَّ لم يلبث دين النَّصَارَى أَن مَاتَ قسطنطين أول من تنصر من مُلُوك الدُّنْيَا ثمَّ مَاتَ ابْنه قسطنطين وَولي ملك تِلْكَ النصراينة وَرجع إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ ولي رجل من أقَارِب قسطنطين فَرجع إِلَى النصراينة وَأما ديانَة الْيَهُود فَمَا صفت فِيهَا نَبَات بني إِسْرَائِيل ومُوسَى ﵇ حَيّ بَين أظهرهم وَمَا زَالُوا مائلين إِلَى إِظْهَار عبَادَة الْأَوْثَان ثمَّ تكذيبهم كلهم بالشريعة الَّتِي أَتَاهُم بهَا بعد مَوته ﵇ طبقَة بعد طبقَة إِلَى انْقِطَاع دولتهم فَكيف إِن يتبعهُ غَيرهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وبرهان ضَرُورِيّ لمن تدبره حسي لَا محيد عَنهُ وَهُوَ أَنه لَا خلاف بَين أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر الْملَل فِي أَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا بِمصْر فِي أَشد عَذَاب يُمكن أَن يكون من ذبح أَوْلَادهم تسخيرهم فِي عمل الطوب بِالضَّرْبِ الْعَظِيم والذل الَّذِي لَا يصبر عَلَيْهِ كلب مُطلق فَأَتَاهُم مُوسَى ﵇ يَدعُوهُم إِلَى فِرَاق هَذَا الْأسر الَّذِي قتل النَّفس أخف مِنْهُ وَإِلَى الْحُرِّيَّة وَالْملك وَالْغَلَبَة والأمن مَضْمُون مِمَّن هُوَ فِي أقل من تِلْكَ الْحَال أَن يُسَارع إِلَى كل من يطْمع على يَدَيْهِ بالفرج وَأَن يستجيب لَهُ إِلَى كل مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ وَإِن أَكثر من فِي هَذَا الْبلَاء يستخير عبَادَة

2 / 72