153

Al-Faṣl fī al-milal waʾl-ahwāʾ waʾl-niḥal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

القاهرة

كَيفَ تسْأَلُون أهل الْكتاب عَن شَيْء وَكِتَابكُمْ الَّذِي أنزل على رَسُوله ﷺ حدث تقرؤنه مَحْضا لم يشب وَقد حَدثكُمْ أَن أهل الْكتاب بدلُوا كتاب الله تَعَالَى وغيروه وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِم الْكتاب وَقد قَالُوا هُوَ من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ هَذَا أصح إِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس ﵁ وَهُوَ نفس قَوْلنَا وَمَاله فِي ذَلِك من الصَّحَابَة مُخَالف
وَقد روينَا أَيْضا عَن عمر ﵁ أَنه أَتَاهُ كَعْب الحبر بسفر وَقَالَ لَهُ هَذِه التَّوْرَاة أفأقرؤها فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب إِن كنت تعلم أَنَّهَا الَّتِي أنزل الله على مُوسَى فاقرأها آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار فَهَذَا عمر لم يحققها
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَنحن إِن شَاءَ الله تَعَالَى نذْكر طرفا يَسِيرا من كثير جدا من كَلَام أَحْبَارهم الَّذين عَنْهُم أخذُوا كِتَابهمْ وَدينهمْ وإليهم يرجعُونَ فِي نقلهم لتوراتهم وَكتب الْأَنْبِيَاء وَجَمِيع شرائعهم ليرى كل ذِي فهم مقدارهم من الْفسق وَالْكذب فيلوح لَهُ أَنهم كَانُوا كَذَّابين مستخفين بِالدّينِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَلَقَد كَانَ يَكْفِي من هَذَا إقرارهم بِأَنَّهُم عمِلُوا لَهُم هَذِه الصَّلَوَات عوضا مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ من القرابين وَهَذَا تَبْدِيل الدّين جهارًا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ ذكر أَحْبَارهم وَهُوَ فِي كتبهمْ مَشْهُور لَا ينكرونه عِنْد من يعرف كتبهمْ أَن إخْوَة يُوسُف إِذْ باعوا أَخَاهُم طرحوا اللَّعْنَة على كل من بلغ إِلَى أَبِيهِم حَيَاة ابْنه يُوسُف وَلذَلِك لم يُخبرهُ الله ﷿ بذلك وَلَا أحد من الْمَلَائِكَة فَأُعْجِبُوا لجنون أمة تعتقد أَن الله خَافَ أَن يَقع عَلَيْهِ لعنة قوم باعوا النَّبِي أَخَاهُم وعقوا النَّبِي أباهم أَشد العقوق وكذبوا أعظم الْكَذِب فوَاللَّه لَو لم يكن فِي كتبهمْ إِلَّا هَذَا الْكَذِب وَهَذَا الْحمق وَهَذَا الْكفْر لكانوا بِهِ أَحمَق الْأُمَم وأكفرهم وأكذبهم فَكيف وَلَهُم مَا قد ذكرنَا وَنَذْكُر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي بعض كتبهمْ أَن هَارُون ﵇ قَالَ لله تَعَالَى إِذْ أَرَادَ أَن يسْخط على بني إِسْرَائِيل يَا رب لَا تفعل فلنا عَلَيْك ذمام وَحقّ لِأَن أخي وَأَنا أَقَمْنَا لَك مملكة عَظِيمَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَهَذِه طامة أُخْرَى حاشا لهارون ﵇ أَن يَقُول هَذَا الْجُنُون أَيْن هَذَا الهوس وَهَذِه الرعونة من الْحق النير إِذْ يَقُول تَعَالَى ﴿يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ وَفِي بعض كتبهمْ أَن الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَمر الله تَعَالَى مُوسَى أَن يصورهما على التابوت خلف الحجلة فِي السارداق إِنَّمَا كَانَتَا صُورَة مُوسَى ﵇ مَعَه تَعَالَى الله عَن كفرهم علوا كَبِيرا وَفِي بعض كتبهمْ أَن الله تَعَالَى قَالَ لبني إِسْرَائِيل من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عَيْني وَفِي بعض كتبهمْ أَن عِلّة تردد بني إِسْرَائِيل مَعَ مُوسَى فِي التيه أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى مَاتُوا كلهم إِنَّمَا كَانَت لِأَن فِرْعَوْن كَانَ بنى على طَرِيق مصر إِلَى الشَّام صنمًا سَمَّاهُ باعل صفون وَجعله طلسمًا لكل من هرب من مصر يحيره وَلَا يقدر على النَّفاذ فَأُعْجِبُوا لمن يُجِيز أَن يكون طلسم فِرْعَوْن يغلب الله تَعَالَى ويجيز بتيه مُوسَى وَمن مَعَه حَتَّى يموتوا فَأَيْنَ كَانَ فِرْعَوْن عَن هَذِه الْقُوَّة إِذْ غرق فِي الْبَحْر وَفِي بعض

1 / 161