الإجماع:
غير خفي أن الاجماع غير متيسر في الطور الأول للفقه، الذي هو الزمن النبوي؛ لأن الإجماع كما عرفه في جمع الجوامع: هو اتفاق مجتهدي الأمة بعده ﵇ في عصر من الأعصار، على حكم من الأحكام. لكن الإجماع لا بُدَّ أن يستند إلى كتاب أو سنة لا يخرج عنهما، وإن لم نقف على مستنده فكأنه وجد في الزمان النبوي، فليس هو أًصلًا مستقلًّا بذاته من غير استناد إلى كتاب أو سنة، إذ لو كان مستقلًّا لاقتضى إثبات شرع زائد بعد النبي ﷺ، وذلك غير جائز.
قال الشافعي في الأم: ولا يكون عن قياس أو اجتهاد؛ لأنهم لو اجتهدوا لم يتفقوا -يعني: غالبًا. وقال عياض في المدارك: قد يكون عنهما، وعليه صاحب جمع الجوامع.
فتبيَّنَ لك أن هذه الأصول الثلاثة كلها متقررة ثابتة في زمنه ﷺ.
وحجية الإجماع مبنية على أصلٍ وهو عصمة الأمة الإسلامية في اجتماعها على ضلالة في أمر دينها، دليله قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ ١، وقوله ﷺ: "لا تجتمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار" وراه الترمذي٢.
وقولنا في أمر دينها لئلَّا يرد خطؤها في أمور الدنيا كترك النظام الذي ابتليت به الأمم الإسلامية في القرن الماضي وما قرب منه، وإهمال التعليم والتربية، وكقولهم بانبساط الأرض على فرض إجماعهم عليه.