المجلد الأول المقدمات مقدمة التحقيق ... باب المقدمات: مقدمة التحقيق: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ . ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ . إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلال في النار. أما بعد: "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" سفر جليل لعالم نحرير مدقق من جهابذة الخلف، تناول مُؤَلَّفَه نشأة العلوم الإسلامية، وهي متشعبة، لكنه ربط هذا بفقه، فجعله بابة الكتاب، فأجاد وأفاد عليه -رحمة الله.

1 / 5

وكم كانت تمس الحاجة لطرق هذا الموضوع لأهميته، فقد أصبحت العلوم السالفة طلاسم ذهبت مفاتيحها بانقطاع السند وقله أهل العلم، حتى حار طلاب العلم في تحصيل العلوم، فمنهم من طرق باب التمذهب عسى أن يجد ضالته. ومنهم: من طرق باب المتون، ومنهم من ضرب سهم في الحديث، ومنهم ...، ومنهم ... فما كانت حصيلة هؤلاء إلّا تعقيد الجرير في الجرير، فما كانت بضاعتهم في العير، ولا في النفير -إلا مَنْ رحم ربي- حيث بدؤا مما انتهى إليه الأوَّلون، فلم يعرف هؤلاء درب المتقدمين في التأليف، إنما نظروا لرسمهم فحفظوا نقوشهم. فهؤلاء كمن وقف أمام قصر عظيم متسع الأركان، كثير الحجرات، فأراد أن يدخل، لكن أبوابه موصدة، فعمد إلى تسوّرِ الأسوار، فبذل جهدًا جهيدًا، فقد يصل أو لا. كذلك من طرق سبل التعلم دون أن يقف على التصور -إن صح التعبير- لنشأة العلوم وتطورها والطفرات العلمية، وظهور المدارس، وغير ذلك. فهذا التصور أساس فهم العلوم والتبحر فيها، وجدير بالإشارة أن هذه العلوم لم تكن لها منهجية في حياة الأمة، أو مشروع نظامي، إنما نشأة العلوم وتطورها تكفل إلهي من الله ﷾: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ . وإنما غاية هذا "الفكر السامي" تصور اجتهادي مع دعم ذلك التصور بالحقائق التاريخية الثابتة، فهذا مؤلف فريد في بابه، عظيم في جوابه، قسم فيه مُؤلِّفه مادته إلى أربعة أقسام: أ- القسم الأول: سماه: "طور الطفولية"، ويعني: نشأة الفقه، وهو الذي

1 / 6

يبدأ ببعثة النبي ﷺ، وينتهي بوفاته. ب- القسم الثاني: سماه: "طور الشباب"، وهو عصر الاجتهاد، ويبدأ ببداية عهد الخلفاء الراشدين، وينتهي بنهاية القرن الثاني. ج- القسم الثالث: سماه: "طور الكهولة"، وفي هذا الطور بيَّنَ فيه المؤلف توقف الخط البياني للفقه عن الصعود، أي أنه لم تُضف للفقه أيّ إضافات جديدة بحركة الاجتهاد، إنما انتشر خط جديد وهو التقليد والركون إليه. د- القسم الرابع: سماه: "طور الشيخوخة والهرم المقرب من العدم"، وهو عنوان يتحدث عن مضمونه فلا يحتاج إلى تفصيل، ويبدأ ببداية القرن الخامس إلى وقتنا هذا. ومما لا شَكَّ فيه عظم الخطب المتناول في هذا التصنيف البديع. وكثير ما روادتني فكرة التأليف في هذا الموضوع لأهميته القصوى، ووعدت إخواني القراء بذلك في تقديمي لكتاب "الترغيب والترهيب"، كذا "الإقناع لابن المنذر"، فكانت مشيئة العليم الحكيم أن يقع في يدي هذا السفر الجليل، فرأيته حريّ بالاعتناء، وبضاعة ثمينة يجب أن تنشر، وما يفعل التراب في وجود الماء؟ ثم هذه الطبعة بعناية مركز تحقيق النصوص: إسهام منها في نشر العلم النافع، مع الاعتناء به فأضافت: ١- العناية بأصل الكتاب المطبوع، حيث فتشت كثيرًا عن أصل خطي له دون جدوى، وهذا المطبوع بتحقيق فضيلة الدكتور عبد العزيز القاريء، طبعة جيدة، سيما وتعليقات فضيلة الدكتور أزالة الكثير من عور الكتاب، هذه التعليقات قد حافظنا على بعضها عازين الفضل لصاحبه، فجزاه الله خيرًا. ٢- أصلحنا ما وقع في الكتاب من تحريف.

1 / 7

٣- قمنا بالتوسع في مصادر تراجم النقلة المذكورين. ٤- تخريج الأخبار الواردة في الكتاب. ٥- وضعنا فهرس أبجدي للرواة المترجمين. ثم هذه البضاعة المزجاة منا، إنما هي جهد بشري يعتريه ما يعتري غيره. ولله الكمال وإليه القصد. وكتبه أ/ أيمن صالح شعبان، مدير مركز تحقيق النصوص القاهرة -ليلة الأحد- ٢٥ من شوال لعام ١٤١٥ من الهجرة النبوية المباركة.

1 / 8

ترجمة المؤلف: أترجم نفسي اقتداءً بالنبي ﷺ إذ يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [سورة الأحزاب: ٢١]، وبسيدنا يوسف إذ يقول: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة يوسف: ٥٥]، ويقول: ﴿أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ [سورة يوسف:٥٩]، وبسيدنا عيسى حيث قال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [سورة مريم: ٣٣] . وقد ترجم نفسه ولي الدين ابن خلدون إمام التاريخ، ولسان ابن الخطيب إمام الأدب وغيرهما. نعم أعتذر بما اعتذر به ابن الإمام في"سمط الجمان"، والحجاري في كتاب "المسهب"، وابن القطاع في "الدرة الخطيرة"، وأبو الحسن بن سعيد في كتاب "المغرب" وغيرهم. ليت المغاربة كان لهم ولوع بالتاريخ، وبالأخص تاريخ الرجال، فأكتفي بأمانتهم واعتنائهم عما سأورده في هذه الترجمة المخجلة التي أقصد بها إظهار حقيقة من حياتي، ربما لا يعرفها غيري كما أعرفها أنا، وإني لأشعر بعبء ذلك على كاهلي، ولكنني لا أجد منه بدًّا، فلينتبه إخواننا إلى الاعتناء بتراجم الرجال وإظهارهم مظاهرهم، فالأمة برجالها، والسهام بنصالها، وليترجم الناس لأنفسهم بأنفسهم ما دامت الأفكار معرضة عن هذه الواجبة حتى لا تضيع حقائق من حياتهم، ربما تتطلب فلا توجد، وكم ضاعت من حقائق بإهمال هذا الفن لم يجدِ الأسف عليها شيئًا.

1 / 9