Fi Adab Misr Fatimiyya

Muhammad Kamil Husayn d. 1380 AH
71

Fi Adab Misr Fatimiyya

في أدب مصر الفاطمية

Genres

32

ويظهر أنه في ذلك الوقت دب دبيب الشقاق بين أبناء هذه الأسرة، فهذا القاضي طالب ابن عمه عبد العزيز بن محمد بن النعمان ببعض ودائع كانت في الديوان أيام ولاية محمد بن النعمان على القضاء، وتشدد القاضي في مطالبة ابن عمه بهذه الودائع حتى ألزمه أن يبيع كل ما خلفه أبوه سدا لهذه المطالبة، ولست في مركز يسمح لي أن أقول: أكان تشدد القاضي عن ورع ودين أم عن حسد وغيرة وشقاق بين بني الأعمام. ومهما يكن من شيء فقد صرف هذا القاضي عن رتبة القضاة والدعوة في رمضان سنة 394، وأمر الحاكم بحبسه، ثم ضربت عنقه في مطلع سنة 395ه، وهكذا لقي حتفه بيد الحاكم، بعد أن كان مكرما لديه مقربا إليه.

وولي القضاء بعده ابن عمه عبد العزيز بن محمد بن النعمان، المولود في أوائل ربيع الأول سنة 355ه، وهو الذي كان ينوب عن أبيه في القضاء، وكان عالما من علماء الدعوة الفاطمية ينسب إليه كتاب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم في أصول الدين، وهو الكتاب الذي رد عليه القاضي أبو بكر الباقلاني،

33

وقيل إن هذا الكتاب من تصنيف عمه علي بن النعمان. ومهما يكن من شيء فالقاضي عبد العزيز بن محمد هو أول من ولي النظر على دار العلم،

34

وكان يجلس في الجامع، ويقرأ على الناس كتاب جده النعمان «اختلاف أصول المذاهب»، وعلى الرغم من أنه خص بمجالسة الحاكم ومسايرته، فإنه لم ينج من نزوات الحاكم وتقلباته، فعزله عن القضاء سنة 398ه، ثم اعتقله في السنة التالية، ثم عفا عنه وأعاد إليه النظر في المظالم وخلع عليه، وفي سنة 401 اضطر هذا القاضي إلى أن يهرب من وجه الحاكم هو والقائد الحسين بن جوهر الصقلي، فصادر الحاكم بيوتهما وحمل كل ما كان فيها، ثم كتب الحاكم لهما بالأمان وخلع عليهما، ولكنه أمر بعد ذلك بقتلهما في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة 401ه.

وبعد هذه المأساة ضعف أمر بني النعمان وساءت حالهم، ولم تبق لهم تلك السطوة ولا ذلك النفوذ، حتى إن القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان ولي القضاء سنة 418ه، ولكنه لم يمكث في هذه المرتبة سوى عام وشهرين، وأعيد مرة أخرى إلى القضاء سنة 427ه، وأضيفت إليه الدعوة. ويقول عنه المؤيد في الدين: «وتوجهت إلى الموسوم بالقضاء والدعوة، وهو يومئذ القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان رحمه الله وإيانا، فرأيته رجلا يصول بلسان نسبه في الصناعة التي وسم بها دون لسان سببه، فارغا مثل فؤاد أم موسى عليه السلام، وفيه جنون يلوح من حركاته وسكناته.»

35

وعزل القاسم عن هذه المراتب سنة 441ه، ويحدثنا المؤيد أن نساء بني النعمان تشفعن للقاسم عند أم المستنصر، وألحفن عليها بالسؤال لإعادته، فعينه الوزير اليازوري 442ه نائبا له في الدعوة، فقبل القاسم أن يكون تابعا لداعي الدعاة بعد أن كان أصلا في هذه الخدمة، واستمر القاسم بن عبد العزيز نائبا لليازوري في مرتبة الدعوة حتى أقعده المرض، فأناب ابنه محمد بن القاسم في الدعوة بدله، واستمر محمد نائبا عن والده في نيابة الدعوة حتى سنة 450ه. ثم لم نعد نسمع شيئا عن هذه الأسرة التي ظلت زهاء قرن في مكانة رفيعة عالية، وفي اتصال بالأئمة الفاطميين، كما كان لهذه الأسرة أثرها في بعث العقائد الفاطمية في نفوس الناس بما ألفوه من كتب، وما ألقوه من مجالس الدعوة، وبما كانوا يحكمون به في القضايا على حسب فقه المذهب الفاطمي الذي وضعه لهم النعمان بن محمد مؤسس هذه الأسرة. (2) يعقوب بن كلس

Unknown page