105

10

ولما فعلوا ما فعله الفرس من قبلهم من تخريب الكنائس الباقية في الفرما.

11

ولنا فوق ذلك دليل آخر على كذب هذا الزعم، وهو ما قاله «حنا النقيوسي»

12

في ديوانه، وكان حنا من الأحياء قرب ذلك العهد. قال: إن القبط لم يساعدوا المسلمين إلا بعد أن استولوا على الفيوم وإقليمها. ولسنا ندري على التحقيق في أي وقت كان هذا، ولكن من الجلي أنه لم يكن إلا بعد فتح حصن «بابليون»، ولم تكن تلك المساعدة إلا مساعدة قليلة لا تعدو بعض الأمور.

فلما ملك العرب الفرما صار في أيديهم معقل يؤمن لهم الطريق المؤدية إلى بلادهم، ويضمن لهم سبيل الرجوع إذا نزلت بهم هزيمة. وقد فطنوا بعد فتح الفرما إلى ما هم مقبلون عليه من الأمر الخطير إذا أتيح لهم فتح حصن بابليون والإسكندرية العظيمة، ولا بد أن يكون عمرو قد أدرك أنه لن يستطيع شيئا إذا لم يوافه عمر بن الخطاب بما وعده من الأمداد، وكان يعرف أن الأمداد لن تستطيع أن تخلص إليه إلا عن طريق الفرما.

13

ولم يكن معه من الجند من يقدر على أن يخلفه في المدينة ليحرسها؛ وعلى ذلك لم يكن له بد من هدم أسوارها وحصونها حتى لا يستفيد بها العدو لو عاد إلى تملكها. ولسنا ندري ما كان يصنعه الروم في هذه الأثناء، فأغلب الظن أن «قيرس» كان موقنا أن المسلمين لا بد لهم أن يسيروا إلى مصر بعد أن تخلص لهم الشام، وأن الأمر واقع لا محالة؛ فكان الحزم يقضي عليه أن يقيم الأرصاد والربط في الصحراء، حتى أكناف العريش على الأقل، حتى يأتيه العلم بمسير القوم إليه في حينه، ليستطيع التعبية ويسير للقائهم بمن معه جميعا عند الفرما. ولو أرسل الروم عشرة آلاف من جندهم ليقاتلوا عمرا أثناء سيره، أو جمعوا ذلك الجيش تحت حصن المدينة؛ لما عجزوا أن يهزموا تلك الفئة القليلة من أعدائهم العرب. على أن ذلك لو حدث لما حال بين المسلمين وبين فتح البلاد أمدا طويلا، ولكن الروم لم يصنعوا من ذلك شيئا، بل اعتمدوا على من في المدينة من الجند في أمر الدفاع عنها. وقد يقال إن العرب قد بغتوهم في أول الأمر، وإنهم لم ينذروا بمسيرهم عند ذلك، ولكن الروم لم يتحركوا في أثناء الحصار وقد لبث شهرا، فلم يبعثوا أحدا لنجدة المدينة أو تخليصها؛ فكان قعودهم عن الفرما وإسلامهم لها أول ما ارتكبوه من خطل في تلك الحرب، وقد كانوا يستطيعون اتقاء هذا؛ وعلى ذلك يصح لنا أن نقول إن ذلك القعود أول ما ارتكبه «قيرس» من خيانته العظمى لدولته، فلعله كان عند ذلك قد عول على أن يعمل على فصل بطرقة الإسكندرية وشقها عن القسطنطينية بالاتفاق مع العرب وإعانتهم على دولته، ولسنا نجد غير هذا الرأي ما نفسر به مسلكه، ولا سيما ما وقع منه بعد ذلك.

كان عند ذلك قد مضى نصف شهر يناير من عام 640 للميلاد، وذلك العام الميلادي يكاد يتفق مع سنة

Unknown page