55

Fath Andalus

فتح الأندلس

Genres

أما رودريك فالتفت إلى فلورندا وأشار إليها أن: «اذهبي إلى غرفتك ريثما أعود.» وخرج مهرولا وأوباس لا يغير مشيته ولا يكترث بانهماك الملك واستعجاله. فلما وصل رودريك إلى آخر الدهليز تأمل الباب فرآه مفتوحا فتذكر أنه نسيه بدون أن يغلقه، فلما خرج أوباس عاد الملك وأغلق الباب وراءه كأنه يحاذر أن يختطفوا فلورندا من بين يديه، ومشى أوباس لا يكترث بتلك الحركات حتى وصلوا إلى الدار العامة حيث ينعقد المجلس عادة فجلس ودعا أوباس إلى الجلوس، فقال: «إن الأمر الذي جئت من أجله لا يصح ذكره في هذه القاعة.»

فاستغرب رودريك جوابه وقال: «وأين إذن؟»

فقال أوباس: «في غرفة منفردة على حدة.»

فنهض رودريك وقد ساءه هذا التعنت ومشى معه إلى غرفة منفردة فيها مصباح نوره ضئيل، فجلس وجلس أوباس بين يديه ورودريك لا يستطيع صبرا عن سماع كلامه فقال: «قل يا حضرة الميتروبوليت.»

فقال أوباس: «جئتك بأمر دعاني الله أن أبلغك إياه.»

فأنصت رودريك وأرهف السمع إلى ما يقوله، فقال أوباس بصوت هادئ على جاري عادته: «إن الله خولك سلطانا على الناس تحكم فيهم وتنصف مظلومهم وتضرب على أيدي الظالمين، فلا تتخذ ذلك السلطان وسيلة إلى ما يغضبه.»

فبغت رودريك لما في خطاب أوباس من التوبيخ وقطب حاجبيه إشارة إلى استهجانه تلك الجسارة وقال: «هل عندك كلام في غير هذه الشئون؟»

فأدرك أوباس انفعاله وأنه إنما يريد تحقيره ورد التوبيخ إليه فلم يقبل منه ذلك فقال: «لعلك تظن ما أقوله وهما أو ليس هو بالأمر الهام.»

فقال رودريك وقد ظهر الغضب على وجهه: «لا أرى ما يسوغ لك الاعتراض على أعمالي في داخل قصري، فإذا كنت تعلم أمرا يتعلق بالحكم بين الناس أو بالأمن العام أو بسياسة البلاد فتكلم به.»

فابتسم أوباس باستخفاف وقال: «ألا تعلم أيها الملك أنك مسئول عن كل حركة تتحركها في منزلك أو في الخارج؟ وأن الصعاليك أقرب إلى الحرية في تصرفاتهم من الملوك؟ إنك مؤتمن على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، وقد أعطاك الله هذا السلطان لصيانتها والدفاع عنها. أفتتخذه وسيلة لسلبها ثم تتولى سلبها بنفسك، وإذا جاءك ناصح انتهرته واحتقرته؟ هذه أشياء لا تتفق وأخلاق الملوك المؤمنين.»

Unknown page