107

Fatāwā Ḥusām ʿAffāna

فتاوى د حسام عفانة

Genres

٣١ - قام الإمام إلى ركعة خامسة في صلاة الظهر
يقول السائل: كنَّا نصلي صلاة الظهر جماعة فقام الإمام إلى ركعة خامسة سهوًا فسبح بعض المصلين فلم يرجع الإمام وأتم الخامسة ثم سجد للسهو. وأما المأمومون فمنهم من تابع الإمام ومنهم من بقي جالسًا حتى سلَّم الإمام فسلموا معه وقد روجع الإمام فقال إنه قد اقتدى بالنبي ﷺ لما سها وقام إلى خامسة فعلى المصلين أن يقتدوا به في الخامسة، فما قولكم؟
الجواب: النسيان والسهو من الأمور الملازمة للإنسان ولا إثم على الانسان في حال السهو لما ورد في الحديث أنه ﷺ قال: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. والسهو في الصلاة واقع فقد سها النبي ﷺ أكثر من مرة في صلاته كما ثبت ذلك في عدة أحاديث منها: عن عبد الله بن بحينة ﵁ أنه قال: (صلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلَّم) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود ﵁: (أن رسول الله ﷺ صلى الظهر خمسًا فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت خمسًا، فسجد سجدتين بعدما سلَّم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة ﵁ قال: (صلَّى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جِذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبًا وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي ﷺ يمينًا وشمالًا فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين فصلى ركعتين وسلَّم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلَّم) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وسجود السهو واجب في الصلاة إذا وُجد المقتضي له على الراجح من أقوال أهل العلم كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ٢٣/٢٧-٢٨. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإذا سها الإمام فأتى بفعل في غير موضعه، لزم المأمومين تنبيهه، فإن كانوا رجالًا سبحوا به، وإن كانوا نساءً صفقن ببطون أكفهن على ظهور الأخرى، وبهذا قال الشافعي ... ولقول النبي ﷺ (من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله) متفق عليه] المغني ٢/١٥
وتذكير المأمومين للإمام واجب كما ذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي ويدل عليه أيضًا ما ورد في حديث عبد الله بن مسعود ﵁ أنه ﷺ قال (... إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين) رواه البخاري ومسلم. فقوله ﷺ فذكروني أمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب.
إذا تقرر هذا فأعود لجواب السؤال فأقول: إذا سها الإمام عن الجلوس الأخير في الصلاة فقام إلى ثالثة في الفجر أو رابعة في المغرب أو خامسة في الظهر أو العصر أو العشاء فسبح بعض المصلين فينبغي أن يرجع ثم يجلس للتشهد ويسجد سجدتي السهو والرجوع واجب على الإمام في هذه الحال إلا إذا كان متيقنًا من خطأ المأمومين فإنه لا يرجع. وأما المأموم في السؤال المذكور فإذا كان متيقنًا أنه صلى أربعًا فلا يجوز أن يتابع الإمام في الخامسة فإن فعل بطلت صلاته لأنه تعمد الزيادة في الصلاة وأما إن كان غير متأكد من عدد الركعات التي صلاها فتابع الإمام فصلاته صحيحة. وأما من تيقن أنه صلى أربعًا فإنه إما أن يبقى جالسًا حتى يسلم الإمام فيسلم معه وإما أن ينوي مفارقة الإمام. . [سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتى يسلم بهم أو يسلموا قبله والانتظار أحسن.] مجموع الفتاوى ٢٣/٥٣ وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [لو صلى خمسًا يعني في صلاة رباعية فإنه متى قام إلى الخامسة في الرباعية، أو إلى الرابعة في المغرب، أو إلى الثالثة في الصبح، لزمه الرجوع متى ما ذكر، فيجلس، فإن كان قد تشهد عقيب الركعة التي تمت بها صلاته، سجد للسهو، ثم يسلم. وإن كان تشهد، ولم يصل على النبي ﷺ صلى عليه، ثم سجد للسهو وسلم وإن لم يكن تشهد، تشهد وسجد للسهو، ثم سلم. فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة، سجد سجدتين، عقيب ذكره، وتشهد وصلاته صحيحة. وبهذا قال علقمة والحسن، وعطاء، والزهري، والنخعي، ومالك، والليث، والشافعي، وإسحاق وأبو ثور ... ولنا: ما روى عبد الله بن مسعود ﵁ قال ﴿صلى بنا رسول الله ﷺ خمسًا فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال: لا قالوا: فإنك قد صليت خمسًا فانفتل، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّم ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين﴾ . وفي رواية قال: ﴿إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو﴾ . وفي رواية، فقال ﴿فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين﴾ رواها كلها مسلم والظاهر أن النبي ﷺ لم يجلس عقيب الرابعة، لأنه لم ينقل، ولأنه قام إلى الخامسة معتقدًا أنه قام عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا، ولم يضف إلى الخامسة أخرى] المغني ٢/٢٥-٢٦.
وأما إدعاء الإمام بأن على المصلين أن يتابعوه في الخامسة اقتداءً بالنبي ﷺ لما سها وتابعه الصحابة رضوان الله عليهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة فالجواب أن هذا إدعاء باطل لأن النبي ﷺ لم يأمر من تابعه من الصحابة في الزيادة بأن يعيد الصلاة فعلة ذلك أنهم كانوا في عصر التشريع وقد ظنوا أن الصلاة قد زيد فيها فلذلك لم ينبه الرسول ﷺ أحدًا من الصحابة ﵃ في الزيادة إلا بعد الصلاة، كما سبق من حديث عبد الله بن مسعود ﷺ قال (صلى النبي ﷺ الظهر خمسًا فقالوا أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسًا فثنى رجليه وسجد سجدتين) وأما الادعاء بوجوب متابعة الإمام في هذه الحالة فقد أجاب عنه العلامة محمد صالح العثيمين فقال [ولقد ساءني ما نقله لي ثقة عن شخص كان يجادله في إمام صلى الظهر خمسًا والمأموم يعلم أنه قد زاد في صلاته فقال هذا المجادل أنه يجب على المأموم أن يتابع الإمام في الزيادة لأن النبي ﷺ قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فتأمل تأمل خطأ هذا المجادل في الحكم والفهم وتأمل أن طرد قاعدته يستلزم أن الإمام لو صلى الظهر عشر ركعات لوجب على المأموم أن يتابعه إن هذا والله لهو الجهل المركب بل مركب المركب جهل في الحكم وجهل في الفهم وجهل بأدلة الشريعة الأخرى أفلا يعلم هذا الجاهل المجادل أن النبي ﷺ بيّن الواجب في إئتمام المأموم بإمامه بقوله (فإذا كبر فكبروا) إلى أن قال (وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون) والفاء في قوله ﷺ فإذا كبر إلى آخره للتفريع فما بعدها تفريع على ما قبلها وإفصاح للمراد به تبين المراد بالإتمام ولم يقل النبي ﷺ إذا صلى الإمام خمسًا فصلوا خمسًا ونحن نعلم علم اليقين أن الإنسان لو صلى خمسًا متعمدًا لبطلت صلاته لأن النبي ﷺ قال (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) فهل صلاة الظهر خمسًا عليها أمر الله ورسوله وإذا لم يكن عليها أمر الله ورسوله فهي باطلة مردودة بمقتضى هذا الحديث وإذا كانت باطلة فهل يجوز إتباع الغير فيما هو باطل أيها المسلمون إن الحكم في هذه المسألة إذا قام الإمام إلى خامسة أنه يجب على المأموم أن ينبهه فيقول سبحان الله ثم إن رجع الإمام فذلك هو المطلوب وحينئذ يرجع ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو سجدتين بعد السلام ويسلم ويتابعه المأموم في ذلك وإن أبى أن يرجع لكونه يتيقن أنه على صواب فإن المأموم الذي يتيقن أنه على صواب وأن الإمام مخطئ يجب عليه أن يجلس ولا يجوز له أن يتابع الإمام لأنه لو تابعه لزاد في الصلاة ركعة عمدًا وهذا يبطلها ولكنه يبقى حتى إذا رجع الإمام إذا قضى الركعة التي قام إليها وتشهد سلم مع الإمام] عن شبكة الإنترنت.
وخلاصة الأمر أن الإمام إذا قام إلى خامسة في صلاة رباعية فعليه أن يرجع إذا سبح المصلون وعليه سجود السهو إلا إذا تيقن من خطأ المأمومين وأما المأمومون فكل من تيقن أنه صلى أربعًا فيحرم عليه متابعة الإمام في الخامسة فإن تابعه بطلت صلاته، وهو مخير بين أن ينتظر الإمام فيسلم معه أو ينوي مفارقة الإمام. وأما من كان غير متيقن فتابع الإمام فصلاته صحيحة.

6 / 31