٣٠ - لا تصح إمامة المرأة للرجال في صلاة الجمعة
ي قول السائل: ما قولكم فيما نشر في وسائل الإعلام أن أول امرأة ستؤم المصلين من النساء والرجال في صلاة الجمعة وستقام بمدينة نيويورك الأمريكية وستطالب هذه المرأة بحق النساء المسلمات في المساواة مع الرجال في التكاليف الدينية كحق المرأة في الإمامة، وعدم ضرورة أن يصلي النساء في صفوف خلفية وراء الرجال باعتبار أن هذا الأمر هو ناتج عن عادات وتقاليد بالية وليس من الدين في شيء وترى أنه لا يوجد في سلوكيات النبي ﷺ ما يمنع أن تؤم المرأة المسلمين رجالا ونساء!!؟
الجواب: إن الأصل الذي قرره العلماء في العبادات عامة والصلاة بشكل خاص هو التلقي عن النبي ﷺ فالأصل فيها التوقيف أو الحظر كما يعبر بعض العلماء أي أن الأصل أن لا نفعل شيئًا في باب العبادات ما لم يكن واردًا عن النبي ﷺ ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادة ولا نقصان. يقول الله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ويقول الرسول ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. وكان ﵊ يقول في خطبه: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم.
فالأصل في المسلم أن يقف عند موارد النصوص فلا يتجاوزها لأننا أمرنا بالإتباع ونهينا عن الابتداع فنحن مأمورون بإتباعه والإقتداء به ﷺ كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وقد بين لنا الرسول ﷺ كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلَّم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري هذه هو الأصل الأصيل وأما ما نقل عن المرأة المسلمة الأمريكية فإنه لعجب عجاب ولا يستبعد أن تكون أيدي خفية تدفعها لهذا الأمر للتشويش على الإسلام وإن كنا لا نستغرب مثل هذه الأمور في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في أنحاء العالم اليوم.
وما زعمته هذه المرأة من افتراءات على دين الإسلام واضح بطلانها حيث إنها زعمت أنه لا يعرف عن رسول الله ﷺ أنه منع المرأة من إمامة الرجال فهذا كذب صريح على رسول الله ﷺ وقد صح في الحديث من قوله ﷺ (: من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) وجاء في رواية أخرى أنه ﷺ قال: (إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) .
ولم يعرف في تاريخ الإسلام أن امرأة أمت الرجال في صلاة الجمعة. وقد اتفق جماهير علماء الإسلام على أن من صلى خلف امرأة في الفريضة فصلاته وصلاتها باطلة كما اتفقوا على أن المرأة لا تكون إمامًا في الصلوات المفروضات ومنها صلاة الجمعة ولا في النوافل أيضًا قال الإمام الشافعي (وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة؛ لأن الله ﷿ جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهنَّ عن أن يكن أولياء وغير ذلك، ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبدًا) . الأم١/١٦٤.
وقال الإمام النووي: [... واتفق أصحابنا على أنه لا تجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري ... وسواء في منع إمامة المرأة للرجال صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف ﵏ وحكاه البيهقى عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة التابعين وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وسفيان وأحمد وداود] المجموع ٥/٣٣٨.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء] المغني٢ /١٤٦
وقال ابن حزم الظاهري: [وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَلاَ الرِّجَالَ، وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ قَوْلِهِ ﵇ الإِمَامُ جُنَّةٌ وَحُكْمُهُ ﵇ بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ، وَلاَ بُدَّ فِي الصَّلاَةِ، وَأَنَّ الإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لاَ بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِ وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلاَنُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا] المحلى ٢/١٦٧.
ومن أوضح الأدلة على منع المرأة من إمامة الصلاة أن النبي ﷺ أمر بتأخير صفوف النساء عن صفوف الرجال فقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن صفوف النساء تكون بعد صفوف الرجال وهذه المرأة تزعم أنه لم يرد عن النبي ﷺ ما يمنع من إقامة صلاة تختلط فيها النساء مع الرجال ولقد أعظمت الفرية على رسول الله ﷺ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [... وأن المنع من إمامة المرأة بالرجال قول عامة العلماء.] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٣/٢٤٩
وقال الإمام الباجي المالكي: [... فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِهَا: الْأُنُوثَةُ. وَالثَّانِيَةِ: الصِّغَرُ وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ. وَالثَّالِثَةِ: نَقْصُ الدِّينِ. فَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لا تَؤُمُّ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ...] المنتقى شرح الموطأ ٢/٢٠٣.
وقد اتفق الفقهاء على أن من شروط الإمام في صلاة الجمعة الذكورة حيث إن صلاة الجمعة ليست واجبة على النساء وكذا اتفقوا على أنه يشترط في خطيب الجمعة أن يكون رجلًا. انظر حاشية قليوبي وعميرة على شرح المنهاج للمحلي ١/٢٧٨.
والعجب من بعض المشايخ الذين ظهروا على بعض المحطات الفضائية وزعموا أن المسألة محل خلاف بين الفقهاء وأن فيها عدة أقوال، أقول لهم إن المسألة محل اتفاق بين الفقهاء وهي منع المرأة من الإمامة والخطابة في صلاة الجمعة فلم يقل أحد من أهل العلم بأن المرأة تتولى خطبة الجمعة والإمامة في صلاة الجمعة والذكورة شرط في فرضية الجمعة باتفاق الفقهاء وإنما وقع خلاف في إمامة المرأة في غير صلاة الجمعة فقال بعض العلماء يجوز أن تؤم بالفرائض الخمس وقال آخرون تؤم في النافلة كالتراويح، قال المرداوي الحنبلي [وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ... وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ ... وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ، ... قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ قَارِئَةً وَهُمْ أُمِّيُّونَ، ... وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ مِنْ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ وَذَا رَحِمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ ذَا رَحِمٍ أَوْ عجُوزٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا ...] الإنصاف٢/٢٦٣. وقال آخرون تؤم النساء فقط.
وأما ما ورد في الحديث عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية ﵂ أن النبي ﷺ لما غزا بدرًا قالت قلت له يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله أن يرزقني شهادة قال قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة قال فكانت تسمى الشهيدة قال وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي ﷺ أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها ... وفي رواية أخرى عند أبي داود (وكان رسول الله ﷺ يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها قال عبد الرحمن فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرًا) رواه أبو داود وغيره والحديث ضعيف عند جماعة من المحدثين وممن ضعفه الإمام الباجي المالكي حيث قال: [وهذا الحديث مما لا يجب أن تعول عليه] المنتقى شرح الموطأ ٢/٢٠٣.
وممن ضعفه الحافظ ابن حجر كما في التلخيص الحبير ٢/٢٧
وقد صححه ابن خزيمة كما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص ٨٤ وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ١/١١٨.
فإن قلنا بأن الحديث صالح للاحتجاج فقد حمله بعض أهل العلم على أن أم ورقة ﵂ قد أمت بنساء دارها فقط وأن ذلك خاص بها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها كذلك رواه الدارقطني وهذه زيادة يجب قبولها، ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر عليه لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذنًا والأذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف في أنها لا تؤمهم في الفرائض ولأن تخصيص ذلك بالتراويح واشتراط تأخرها تحكم يخالف الأصول بغير دليل فلا يجوز المصير إليه ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة لكان خاصا بها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة، فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة] المغني ٢/١٤٧.
وحمله بعض العلماء على أنها تؤم بمحارمها قال الصنعاني [وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ أَهْلَ دَارِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ كَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ وَكَانَ شَيْخًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّهُ وَغُلَامَهَا وَجَارِيَتَهَا] سبل السلام ٢/٤٣٦. وحمله ابن مفلح الحنبلي على أن ذلك في النافلة فقط فقال [... رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ بِإِسْنَادٍ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَإِنْ صَحَّ فَيَتَوَجَّهُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ ...] الفروع ٢/١٨. ومثل ذلك قال صاحب منتهى الإرادات.
وخلاصة الأمر أن إمامة المرأة في صلاة الجمعة منكر ومعصية ظاهرة وبدعة جديدة مخالفة لما هو مقرر شرعًا ومخالف لما مضى عليه العمل من لدن رسول الله ﷺ وحتى عصرنا الحاضر وهو أمر شاذ بل في غاية الشذوذ.
6 / 30