فقال الآغا: أمهلنا حتى نقبل أياديك. وبعد الواجب، قال: لا هذا ولا هذاك، شيء جديد يا محترم، دعوى تضحك وتبكي، فقال جدي: ما أكثر فنون الحكومة! قل يا آغا، خبرنا، شغلت بالنا. - الله لا يشغل لك بال، دعوى سخنة وعاقبتها بشعة.
فصلب جدي على وجهه، وتأفف وتأوه، وعيناه عالقتان بوجه الآغا المغلق كأنه لوح نورج؛ فظن والدي وجدي أن هناك دعوى خطيرة جدا، وظننت أنا أن ساعتي قد دنت، وأنه إنما جاء لأجلي، وقد وصل خبري للبطرك.
وأخيرا قال جدي: هات خبرنا القصة. فقال الآغا: زمان فاسد يا خوري حنا، الناس ذئاب كاسرة. تقاتل حنا ديب وبطرس موسى على درب جبيل، وصدر أمر عزلتو مدير الناحية للتحقيق، وأنا جئت وحققت، وهذا هو الأمر.
وتناوله الآغا من جيب «كوبرانه» ونشره، ثم أحكم مقعد نظارتيه فوق سنام أنفه، ومشى إلى القنديل يتغربل، وما أن رفع فتيلته أكثر من المعتاد حتى صرخت الوالدة: توق يا آغا تكسر القزازة، ما عندنا غيرها. أما الآغا فقرأ دون أن يبالي:
إلى فتوتلو الأونباشي فارس آغا ...
طقطقت الزجاجة، فقالت أمي: وجه نحس، ما منه غير الخسارة.
أما الآغا فتابع قراءته:
توجهوا حالا إلى قرية غلبون، وحققوا بدعوى بطرس موسى على غريمه حنا ديب من محله، وأحضروا الغريم مكتوفا لهذا الجانب إذا ثبت عليه الجرم، نؤكد عليكم كل التأكيد.
مدير ناحية جبيل
فقال جدي: يهمنا أمر الاثنين. هذا من أقاربنا، وهذاك عزيز علينا، أبوه صاحبنا.
Unknown page