وعجز أخيرا عن الضرب، وهو يحبو إلى التسعين؛ فجعل يركلني، ثم أخذ يدعس ويعرك. قتلة لا يزال طعمها تحت أضراسي كما نقول. فعل كل هذا، وهو لا يدري أن علبة البرشان قد تغمدها الله برحمته ورضوانه، وأن صورة التوراة وميزان الزمان
16
صارت زينة لهيكلي.
وعادت الوالدة إلى البيت، فرأتني ممرغا بالتراب باكيا، ورأت صندوقها مفتوحا ففزعت، وغضبت لما رأت بقايا غفارتي، وعرفت بها قماش فسطانها، وأراد الوالد أن يبل يده بي، فقال جدي: اتركه، أنا شبعته. قلت لكم هذا مجنون، خذوه إلى قصحيا.
17
وبعدما استراح من عناء معركته التفت إلي وقال: كلب! ما قدامك غير الحبس، الحبس أحسن دوا لك. إن رجع فارس آغا ... طيب طيب! شر الصباح ولا خير المساء.
أما أنا فلم أجد مهربا أسلم عاقبة من النوم. تعشوا ولم أتعش، ثم جلسوا ثلاثتهم صامتين، كل يغني على ليلاه: جدي يندب علبة البرشان
18
وصور التوراة وميزان الزمان، والوالدة فسطانها وتنورتها المخططة، والوالد يسائل جدي: قولتك صبي أخوت؟ فيجيب جدي، وهو يفكر من أين يأتي بالبرشان ليقدس في الغد: الله يلطف يا حنا، هذا الظاهر، الله يرد غضب السيدة عنه. لو عرف سيدنا البطرك؟ فهوت والدتي على يدي عمها تقبلهما باكية قائلة: بحياتك يا عمي، لا تفزع الصبي.
وقرب الساعة الثامنة بعد الغروب وصل الآغا؛ فاستعاذ جدي بالشيطان - هكا يعبر العوام - حين رآه، وقبل أن يسلم الآغا، بادره جدي قائلا: خير إن شاء الله يا آغا، دعوى من اليوم، دعوى خوري مسرح أم دعوى قرياقوس؟
Unknown page