195

Al-falsafa al-Injlīziyya fī miʾat ʿām (al-juzʾ al-awwal)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

101

فكل تجربة جديدة ليست عنصرا زائدا مضافا، وإنما هي تعديل لكل موجود من قبل، تدخل عليه بعض التعقيد الجديد، أي إنه ليس ثمة ماثلات منفصلة. لذلك فإن الوعي ليس مجموعة من الوحدات المتميزة المستقلة، وإنما هو عملية متصلة يطرأ فيها تنوع مستمر على مجال المثول أو الحضور. وعلى هذا النحو تجاوز وورد الرأي الميكانيكي للتجريبيين، وهو الرأي الذي لا يكون على عالم النفس فيه إلا أن يحلل (كالمشرح أو الكيميائي)، محتوى التجربة إلى عناصره، ثم يختبر كلا منها على حدة. أما تلك التمييزات التي تصف فيها العملية بأنها تنوع واستيعاب واختزان فهي في رأي وورد تعبر عن طابع «المرونة» الذي يتصف به الاتصال المثولي.

كل هذا ينطوي على هدم لأسس النظريتين اللتين كانتا شائعتين عندئذ، أعني النظرية الترابطية ونظرية الملكات الذهنية، فالترابط ليس عملية سلبية شبه آلية تتداعى فيها محتويات الوعي وتدخل في علاقات جديدة بعضها مع البعض بطريقة آلية، وإنما تتحكم فيه من البداية إلى النهاية ذات غرضية تنتقي وتختار هذه التجربة أو تلك نظرا إلى ملاءمتها لغاياتها الخاصة. وقد أدى اهتمام وورد هذا بالانتقاء الغرضي إلى قوله بأن الانتباه هو الوظيفة الرئيسية للوعي، واتخاذه منه فكرة رئيسية في علم النفس. ولقد ذهب وورد إلى حد بحث كل نشاط ذهني على حدة، ناظرا إليه من خلال فكرة الانتباه، ووسع نطاق هذا اللفظ بحيث يشمل كل ما كان يندرج قبل ذلك تحت مفهوم الوعي. فالوعي هو دائما مقدار أعظم أو أقل من الانتباه إلى ما هو جديد في الاتصال المثولي. وهو كما لاحظنا من قبل، ليس ذا طابع معرفي بحت فحسب، وإنما هو إدراك وانتقاء مقصود للمعطيات اللازمة للنشاط الغرضي للذات. وهكذا يحل الانتباه محل الملكات القديمة، التي كانت متميزة ومنعزلة في معظم الأحيان، ويغدو هو الوظيفة الأساسية الواحدة التي تتحكم فيها، أما التمييز في داخل الانتباه فإنه تمييز في الدرجة، وكل أوجه نشاطه إنما تهدف إلى خدمة اهتمامات. فإذا ما عبرنا عن التصور النفساني الناتج عن هذا كله بصورة عامة، كان تصورا لذات إيجابية منتبهة، بوصفها الرابطة الضرورية التي تجمع بين مختلف أنواع التمثل.

لقد توسع وورد فيما بعد في نظرته هذه، إذ ربطها بميتافيزيقاه وعرف التجربة، التي سبق أن وصفها من خلال فكرة الاهتمام الانتقائي قبل كل شيء، بأنها عملية حفظ للذات، وبذلك تكون ممتدة بقدر امتداد الحياة ذاتها. فالنشاط المعرفي متشابك تشابكا تاما مع جميع ظروف حياة الذات العارفة، ولا يمكن فهمه إلا في علاقاته بها، أما تصور الذات على أنها نظرية خالصة، فما هو إلا تجريد محض. ولقد قبل وورد رأي كانت في الوحدة التركيبية للإدراك الذاتي، غير أنه رأى أن المركب لا يكون ممكنا دون اهتمام عملي ما بالأشياء، ودون دافع إلى الفعل، فالتجربة وحدة حية عينية تؤدي عملها بوصفها كلا، والجانب الأهم من جوانبها التي يمكن التمييز بينها هو الجانب العملي لا النظري، ونتيجة لهذا الرأي الأساسي، يمكن إدراج وورد ضمن الممهدين الأوائل ل «فلسفة الحياة

Lebensphilosophie » التي أصبحت شائعة فيما بعد. كما أنه مهد الطريق - بوجه خاص - للحركة البرجماتية، وكان له تأثير باق على بعض قادة هذه الحركة، مثل جيمس وشيلر، وهو تأثير لا يقلل من حقيقة كونه غير واضح في كل الأحوال؛ ذلك لأنه، عندما جاء الوقت الذي ظهرت فيه البرجماتية، قرب نهاية القرن الماضي، كانت أفكار وورد قد أصبحت مشاعا بين الجميع، كذلك استبق وورد برجسون في نظريته في الزمان.

فقد ميز الزمان المجرد في الفيزياء، وهو زمان لا شدة ولا كثافة له، من الزمان كما نجربه، وأطلق على هذا الأخير - نظرا إلى كونه كمية كثافية - اسم «المدة». وعلى الرغم من أن وورد قد عرض هذه النظرية في مقاله الذي صدر عام 1886، وأن برجسون لم ينشر نظريته إلا في 1889 (في كتابه «المعطيات المباشرة للوعي

Les donnéos immédiate de La conscience ») فالأرجح أن الاثنين كانا مستقلين.

ولقد أحدثت أفكار وورد الجديدة انقلابا في مجال علم النفس كان له تأثيره الهائل، فلم يعد من الممكن - منذ ذلك الحين - السير في طريق التجريبية المألوف، الذي كان «بين

Bain » آخر ممثل هام له، وأصبح لزاما على عالم النفس، إذا ما شاء ألا تتهم آراؤه بأنها بالية عتيقة، أن يتبع طريق وورد. وما زال علم النفس الإنجليزي حتى اليوم ملتزما، في جميع النقاط الأساسية، ذلك الطريق الذي حدد وورد معالمه، وأشهر تلاميذه هو ستوت

G. F. Stout ، وفي أمريكا ظهرت في الوقت ذاته حركة تسير في نفس الاتجاه، كان الفضل فيها يرجع إلى علم النفس الإرادي

Unknown page