194

Al-falsafa al-Injlīziyya fī miʾat ʿām (al-juzʾ al-awwal)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

ideal utilitarianism »، وتبعا لهذا المذهب، تكون للحياة المثلى ثلاث مقولات رئيسية، هي القيمة واللذة والسعادة (ومن هنا فإن إدراجه للذة ضمن خير الإنسان الحق يزعزع صحة تأكيده أن نظريته مضادة لمذهب اللذة). إن الأخلاق بطبيعة الحال مجال قائم بذاته ولا نظير له، غير أنها مع ذلك مرتبطة بالميتافيزيقا وتنطوي على مصادرات ميتافيزيقية، ولا سيما هذه المصادرات الثلاث: (أ) كل الأفعال الأخلاقية ينبغي أن تنسب إلى الذات الفردية. (ب) أساس موضوعية الحكم الأخلاقي هو وجود الله. (ج) الخلود. وهكذا فإن الأخلاق عند راشدال تبدأ بالأشخاص الفرديين وتنتهي بالله، أما عن الشر فقد أكد أنه ليس مجرد مظهر، وإنما هو جزء من طبيعة الأشياء له من الحقيقة ما للخير؛ فهو إذن يتجنب التفاؤل الساذج الذي قال به أصحاب مذهب المطلق. ونظرا إلى الطبيعة الإيجابية للشر، فإنه يتعين علينا مرة أخرى أن نرفض فكرة شمول القدرة الإلهية.

وهكذا فإن فلسفته، التي تشبه فلسفة سورلي أكثر مما تشبه أية فلسفة أخرى، يمكن أن توصف في عمومها إيجابيا بأنها إحياء متأخر لمذهب باركلي، مع اهتمام خاص بذلك الرأي في الشخصية، الذي كان من الواضح أن باركلي يقول به، ولكنه تركه في صورة ضمنية. كما يمكن أن توصف سلبيا بأنها رد فعل على المذهب المطلق عند برادلي، الذي يهدد قداسة الشخصية بخطر كبير . ولقد تأثرت الأخلاق عنده بالتراث الإنجليزي في نواح هامة، واتجهت أساسا نحو مذهب المنفعة التجريبي عند مل وسدجويك ومور. وهكذا فإن القوة الفلسفية الدافعة التي تلقاها أصلا من هيجلي أكسفورد قد عادت القهقرى إلى تراثه الفكري القومي، ولكن مع تأثره بالعناصر المثالية في هذا التراث إلى جانب عناصره التجريبية. (7) القسم السابع: أصحاب مذهب الألوهية وفلاسفة الدين

اتخذت المثالية عند وورد - وهو مفكر كان مشهورا ذا مكانة رفيعة في انجلترا، ولكنه كان شبه مجهول خارجها - صورة تختلف اختلافا أساسيا عن أي مذهب بحثناه حتى الآن، وذلك بعد أن تخلصت من ارتباطاتها القديمة، فهي مثالية أكثر تحررا ومرونة من هذه المذاهب. ولم تكن مرتبطة لا بالمذهب الهيجلي كما عرضه القدامى المتمسكون بالأصل، ولا كما عرضه المحدثون والمدرسة المتحررة، ولا بأية مدرسة أو أي مذهب على الإطلاق. فقد كان لمثاليته هذه صدر رحب، يستجيب لمؤثرات متعددة متنوعة، ولكنها، على الرغم مما اكتسبته من هذه النزعة التلفيقية من عمق، قد فقدت الاتساق المتين والوحدة الراسخة التي اتصفت بها المذاهب الأخرى. وهكذا كان هذا المذهب من أوضح المذاهب تعبيرا عن تزايد انفصال المثالية الإنجليزية عن مصدرها ووحيها الهيجلي الأول. فنقطة البداية الأساسية في تفكير وورد لم تكن قوة فلسفية دافعة أصيلة ملزمة، وإنما كانت أبحاثا علمية متخصصة، وصراعا دينيا باطنا أحس به، واعترف بوجوده منذ وقت مبكر، وكان هذان العاملان: العلم التجريبي واللاهوت، خليقين بإحداث تأثير حاسم في النظرة التي كونها في سنواته المتأخرة عن العالم.

وبعد صراع ذهني حاد، انشق وورد عن اللاهوت، واعتزل منصبه الديني في كنيسة «الرافضة

Non Conformist »، وكرس حياته للعمل العلمي، واتخذت أولى دراساته الجديدة صورة بحث علمي متعمق في مجالي علم الحياة وعلم النفس. وسرعان ما تركز اهتمامه الأساسي في هذا الأخير، وأصبح واحدا من كبار علماء النفس الإنجليز، إلى أن تحول في وقت متأخر نسبيا (في العقد الأخير من القرن الماضي)، إلى بحث مسائل فلسفية متخصصة. ولقد كان مستوى أعماله في علم النفس، التي يشيع الاعتراف اليوم بأنها كانت أعمالا رائدة ذات أهمية عظمى في التطور التالي لهذا العلم، أرفع كثيرا من مستوى أعماله في الفلسفة؛ لذلك فمن واجبنا أن نكرس للأولى حيزا بسيطا، وذلك على الأقل لما لها من أهمية فلسفية ولتأثيرها الكبير في فلسفته الخاصة. هذه الأعمال متضمنة في مقاله المشهور في «دائرة المعارف البريطانية» سنة 1886، وهو المقال الذي عدل مرتين فيما بعد، ثم اتخذ صورته النهائية في كتابه «مبادئ علم النفس» (1918) الذي أصبح في أهميته كتابا كلاسيكيا.

ولقد كان علم النفس عنده - كما أشار هو ذاته - يدين بأكبر الفضل للألمان: هربارت ولوتسه وفنت وبرنتانو. وعلى الرغم من أن جذوره كانت متغلغلة في التراث القومي في نواح كثيرة، فإنه قد بدأ السير في طريق جديد إذ انصرف عن النزعة العقلية (

intellectualism ) في المدرسة الإنجليزية، وارتفع عن مستوى المذهب الترابطي القديم، وعلم نفس الملكات، فقد أكد وورد - متفقا في ذلك مع لوك وخلفائه - أن علم النفس هو علم التجربة «الفردية»، على أساس أن لكل حادث ذهني مقره في الحياة الفردية، كما أكد أن التجربة التي يتعين على علماء النفس دراستها ليست تجربة المعرفة أو التلقي (

reception ) فحسب، وإنما هي تتحدد أساسا باهتمامات عملية تمارس عملها من خلال الشعور والإرادة، والمهمة الوحيدة للتجارب البشرية هي أن تخضع للإرادة وتخدم سلوكنا، والاعتراف بذلك هو مفتاح فهم علم النفس. غير أن التجربة، وإن تكن في أساسها نزوعية أكثر منها معرفية، لا يمكن أن تكون ذاتية تماما، فهي منذ البداية تنطوي على عاملين: ذات حقيقية فعالة، ومقابل لها هو عالم حقيقي، بحيث يرتبط الاثنان ارتباطا متبادلا بوصفهما جزأين متشابكين متعاونين في كل واحد، وبحيث لا يتميزان إلا بالفكر، لا في الواقع.

أما الوعي - الذي أطلق وورد على مكوناته وصفا عاما هو «الماثلات

presentations » فليس كثرة لا رابط بينها، بل إن له وحدة، ووحدته تتخذ صورة مجرى متصل موضوعي، أي كل موضوعي. ويتميز مجرى التجربة بالتنوع المتزايد لهذا المجرى المتصل عن طريق تغيرات في الماثلات المكونة له، «فلدينا في أية لحظة معينة كل معين من التمثلات ومجال للوعي.» هو واحد ومتصل نفسيا، وفي اللحظة التالية لا يكون لدينا مجال جديد تماما، وإنما تغير جزئي في داخل المجال القديم،

Unknown page