142

Falsafa Ingliziyya Fi Miat Cam

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

Adamson

التدريجي إلى الواقعية والطبيعية

Naturalism ، وتحول كوك ولسون

Cook Wilson

بحذر إلى الواقعية. ولهذا التحول الأخير شيء من الأهمية؛ إذ إن كوك ولسون كان ينتمي إلى أكسفورد معقل المثالية، كما أنه جمع حوله عددا محدودا من الشبان، على أن القوى التي شنت فيما بعد هجوما مضادا قويا، وناجحا في نواح عديدة على المثالية، لم تظهر إلا في مطلع القرن الجديد. فبظهور الواقعية الجديدة والبرجماتية، أصبحت المثالية تواجه حربا في جبهتين، اضطرت خلالها إلى أن تتحول على نحو متزايد إلى اتخاذ الموقف الدفاعي، وأخذت تفقد بالتدريج مكان الصدارة. ولا شك أن البرجماتية كانت هي الأضعف من بين هذين الخصمين، ولم يكن الصراع معها - وخاصة مع ممثلها الوحيد المشهور في إنجلترا، ف. ك. س. شيلر - صراعا جديا، ولم يكن بالأحرى يمثل خطرا حقيقيا؛ إذ إنه ارتد إلى مبارزة متحمسة طريفة، بين برادلي وشيلر، ظلت طوال ما يقرب من عشرين عاما تثير قراء الفلسفة وتسليهم. غير أن الهجوم الآتي من جانب الواقعية الجديدة كان أخطر بكثير؛ إذ إن هذا المذهب لم يقتصر، كما كانت الحال في البرجماتية، على الخلاف المباشر، وإنما انتقل إلى مسائل جديدة، ووجد تبريرا له، واكتسب أرضا جديدة، بفضل ما حققه من نتائج إيجابية خاصة به. وحسبنا أن نذكر سببا واحدا من أسباب تفوق الواقعية الجديدة، وهو وثوق الصلة بينها وبين العلوم الطبيعية، وبالتالي تلبيتها لحاجة ملحة في ذلك الوقت، ظلت المثالية تتجاهلها زمنا طويلا.

وبعد فترة تدهور طويلة، بلغت المثالية نقطة تقرب من النهاية خلال السنوات العشر الأخيرة تقريبا، وإذا بدا عليها الوهن بوضوح، ولم يعد بها مدخر من الطاقة الخلاقة الجديدة، فقد أصبحت أكثر ميلا إلى تجنب مواجهة خصومها، والتخلي عن البناء على أسسها الخاصة، والبحث عن دعامة لها في طرق أخرى للتفكير، واتفق هذا الوهن الباطن مع سلسلة سريعة من الخسائر بوفاة أقدر قادتها: بوزانكيت في سنة 1923، وبرادلي في 1924، وماكتجارت وورد في 1925، وهولدين في 1928، وبرنجل باتيسون في 1931، وسورلي في 1935، وماكنزي في 1936، ولم يبق حيا ممن شهدوا أيام مجدها إلا القليلون، وأصبحت الحركة اليوم تكاد تدخل تماما في ذمة التاريخ. على أن المستقبل لن يكتفي بوضع أكاليل الغار عليها، وإنما سيرتد بنظره إليها في احترام واعتزاز؛ إذ إنها تمثل عصرا اقترن فيه الذهن الإنجليزي بذهن كانت وهيجل، فأنتج ثورة عاتية وتجديدا جبارا للفكر، ما زال حيا إلى اليوم، بوصفه قوة دافعة مثمرة في تلك الفلسفة التي تختلف عنها اختلافا تاما، والتي تسود إنجلترا اليوم. (2) القسم الثاني: الرواد

قلنا من قبل إن الإنجليز تنبهوا بطرق متعددة إلى المثالية الألمانية منذ وقت مبكر، أي منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولكن ذلك كان دائما بطريقة تفتقر إلى الانتظام والشمول؛ فكانت النتيجة أن عجزت المثالية عن إشعال جذوة حركة عقلية كبرى، وعن توطين مثل هذه النظرية الأجنبية إلى العالم، في الدوائر الفلسفية على التخصيص. وينبغي أن يعزى الفضل في تحقيق هذا الهدف إلى كتاب فريد واحد لمؤلف واحد، هو كتاب «سر هيجل» لسترلنج. فبهذا الكتاب الرائع أيقظ سترلنج الفلسفة الإنجليزية بالفعل من سباتها القطعي، وأعطاها قوة دافعة جديدة، ووجهها وجهة جديدة. ولا شك في أن هذا الكتاب كان أحق المؤلفات الفلسفية التي ظهرت في القرن الماضي بأن يعد منشأ ثورة وفاتحة عصر جديد. فلكتاب سترلنج أهمية تاريخية لا تقدر؛ إذ إنه غرس الفلسفة الألمانية في التربة الإنجليزية لأول مرة.

20

ولم يكن هذا الكتاب عملا لعالم مثابر غزير المعرفة (وإن يكن يحوي بالفعل كمية غير قليلة من المعلومات العلمية)، بل كان عمل رجل تملكه انفعال طاغ، يشعر بأن لديه رسالة يحققها، ويحس بكل ما تنطوي عليه رسالته. فهو اعتراف ذاتي ينبض بالشعور الفياض، وهو نتاج تجربة شخصية عميقة تهفو بإلحاح إلى التعبير عن ذاتها، وهو يخفق بروح المغامرة الجريئة التي يتسم بها المستكشف. وهو عمل صاغه المجهود الشاق لرائد لم يسبقه أحد، وإن كل صفحة منه لتحمل آثارا لنضال جبار قلق مع الموضوع الذي كتبت فيه. ولولا هذا كله لما استطاع ذلك الكتاب أن يبلغ ما كان لا بد له أن يبلغه من نفاذ البصيرة وعمقها، حتى يجرف الناس أمامه من فرط الحماسة، ويستهل حركة فكرية جديدة.

ولقد كان الطريق الشاق الذي سلكه سترلنج لفهم هيجل - وقد صرح هو نفسه بأنه شق طريقه بحد السيف - مقترنا بتلك المهابة السحرية التي يحس بها المرء وهو في حضرة شيء غامض طاغ، والتي لا يدرك مقدارها ودلالتها إلا في إحساس غامض يحتاج إلى وقت وجهد لكي يتحول إلى مفهوم واضح. وإن كتابه ليزخر بالعجب من ضخامة هيجل الغريبة، وهو عجب يتبدى - تبعا لحالته النفسية - تارة في صورة يأس عميق أو شك مرتاب، وتارة أخرى في صورة ثقة راضية أو حتى سورات من النشوة الخالصة. وليس لنا أن نفسر التعبيرات والأحكام الناشزة فيه إلا بأنها تسجيل لحالته النفسية، كلما مني نضاله بالفشل حينا، وتوج بالنجاح حينا آخر. ويمكن القول إن موقف الثقة والتأكيد الإيجابي والحماسة المتدفقة هو الأغلب على وجه الإجمال، وهو الذي يؤدي به في النهاية إلى بلوغ هدفه المنشود ظافرا؛ أعني إلى كشف سر هيجل.

Unknown page