قال الرشيد يوما ليحيى: قد أحببت أن أنقل ديوان الخاتم من الفضل إلى جعفر وقد استحييت من مكاتبته في هذا المعنى، فاكتب أنت إليه، فكتب يحيى إلى الفضل: «قد أمر أمير المؤمنين- أعلى الله أمره- أن تحوّل الخاتم من يمينك إلى شمالك، فأجابه الفضل: «قد سمعت لما أمر أمير المؤمنين في أخي، وما انتقلت عني نعمة صارت إليه ولا غربت عني رتبة طلعت عليه!» فقال جعفر:
للَّه درّ أخي، ما أكيس نفسه وأظهر دلائل الفضل عليه، وأقوى منّة العقل عنده، وأوسع في البلاغة ذرعه!.
قيل: إنّ جعفر بن يحيى البرمكيّ جلس يوما للشرب، وأحبّ الخلوة، فأحضر ندماءه الذين يأنس بهم وجلس معهم، وقد هيّئ المجلس ولبسوا الثياب المصبّغة. (وكانوا إذا جلسوا في مجلس الشراب واللهو، لبسوا الثياب الحمر والصّفر والخضر) ثم أن جعفر بن يحيى تقدّم إلى الحاجب ألّا يأذن لأحد من خلق الله تعالى سوى رجل من النّدماء كان قد تأخّر عنهم، اسمه: عبد الملك بن صالح [١]، ثم جلسوا يشربون ودارت الكاسات وخفقت العيدان، وكان رجل من أقارب الخليفة يقال له: عبد الملك بن صالح ابن عليّ بن العباس، كان شديد الوقار والدين والحشمة، وكان الرشيد قد التمس منه أن ينادمه ويشرب معه، وبذل له على ذلك أموالا جليلة فلم يفعل، فاتّفق أنّ هذا عبد الملك بن صالح حضر إلى باب جعفر بن يحيى ليخاطبه في حوائج له، فظنّ الحاجب أنّه عبد الملك بن صالح الّذي تقدّم جعفر ابن يحيى بالإذن له، وألا يدخل غيره، فأذن الحاجب له، فدخل عبد الملك بن صالح العبّاسي على جعفر بن يحيى، فلما رآه جعفر كاد عقله يذهب من الحياء، وفطن أن القضية قد اشتبهت على الحاجب بطريق اشتباه الاسم، وفطن عبد الملك بن صالح أيضا للقصّة، وظهر له الخجل في وجه جعفر بن يحيى فانبسط عبد الملك وقال: لا بأس عليكم، أحضروا لنا من هذه الثياب المصبغة شيئا وأحضر له.