مقدمة المحقق
الحمد للَّه رب العالمين بالغ الفضل والإحسان، والصلاة والسلام على نبيّه الأمين محمد بن عبد الله خيرة الأخيار من بني عدنان، المرسل رحمة للعالمين، وبعد فقد من الله تعالى على عبده الفقير إلى كرمه وعفوه صاحب التحقيق فهداه إلى كتاب «الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية» ليخرج به من ظلمات القدم والغمرة إلى أنوار الحداثة والشهرة وهو من مقتتيات مكتبتي المتواضعة مذ كنت طالبا من طلاب كلية الآداب بالجامعة السورية بدمشق عام/ ١٩٥٥/ م، وظلّ غائبا عن النظر حاضرا في الوجدان والفكر إلى أن برز لي فجأة كالصديق الموافي في ساعة الشدّة وأنا مشغول بالتصنيفات العديدة التي أصدرتها دار القلم العربيّ بحلب، واقترحت على صاحب الدار أن ننفض عن هذا المؤلف الجليل غبار الزمن فوافق في الحال لدى رؤية النسخة التي أملكها من الكتاب وتقع في مائتين وتسع وسبعين صفحة وليس بها من تاريخ ولا دليل على المحقّق سوى عبارة ذيّلت الغلاف بعد العنوان، وتقول العبارة التي هدفها التجارة: [يطلب من مكتب عزّ للتوريدات- مكتبة قومسيون- ميدان الأزهر بمصر] .
وقد بادرت منذ اضطلاعي بعبء تحقيق الكتاب إلى التماس طبعاته المختلفة في كلّ ما يقع تحت يدي ولكنني آثرت مؤخرا النموذج الّذي توفر بحوزتي لأنه قديم ولأنه بخلوه من الضبط والتشكيل والفهرسة والهوامش المضيئة، يسمح لي بالمزيد من التدخّل والاجتهاد في ترجيح وجوه الكلام بعضها على بعض فيكون لي دور المحقّق وإن لم أعتمد على الأصل المخطوط. وقد كان لي بتوفيق من الله وبإخلاص النية فضل ضبط النص التاريخي بالشكل وشرح غريب مفرداته بالإضافة إلى ترجمة الأعلام ترجمة موجزة كافية وبذلك المجهود ألحقت النص التاريخي بالنص الأدبي فائدة وأثرا متداولا. وما يهمني أن يعرفه القارئ لهذا الكتاب أن اعتمادي كان على أربع طبعات من طبعات الفخري بالرموز والتواريخ الآتية:
أوّلا: (عزّ) وهي المتوفّرة لدى المحقّق بلا تاريخ.
ثانيا: (ألما) وهي الطبعة الأولى بألمانيا عام/ ١٨٥٨/ م.
1 / 5
ثالثا: (رحما) وهي الصادرة عن المطبعة الرحمانية بمصر/ ١٣٤٠/ هـ و/ ١٩٢١/ م.
رابعا: (بيروت) وهي الصادرة عن دار بيروت للطباعة والنشر/ ١٣٨٥/ هـ و/ ١٩٦٦/ م.
تقع طبعة (عزّ) كما ذكرنا في (٢٧٩) صفحة من القطع المتوسط بورق أصفر.
وتقع طبعة (ألما) في (٣٩٠) صفحة من القطع المتوسط، يقابلها تقديم ودراسة باللغة الألمانية بقلم المستشرق W.Ahlwardt. وتقع طبعة (رحما) في (٢٥٣) صفحة من القطع فوق المتوسط مع مقدمة قصيرة للناشر محمود توفيق الكتبي.
وتقع طبعة بيروت في (٣٤٠) صفحة عدا الفهارس بورق أبيض صقيل وهي الطبعة الأكثر حداثة وإتقانا.
وقبل استعراض الأوراق المذكورة يهمنا الإلمام بترجمة لحياة المؤلف: ابن طباطبا مع ملمح كلّي وموجز جدّا لكتاب الفخري ليكون ذلك عونا للقارئ في قطع المسافة بين أول الكتاب وآخره في ألفة ومحبّة للمادّة التاريخيّة وهي الغنيّة غنى غزيرا بالحكايا والطرائف.
أمّا المؤلّف فهو:
محمّد بن عليّ بن محمّد بن طباطبا العلويّ. كنيته أبو جعفر، وشهرته بابن الطّقطقيّ [١] على خلاف في ضبطها، وختامها بالياء أو الألف المقصورة.
كان أبوه نقيب الأشراف العلويّة بالحلّة والنجف وكربلاء، وقد خلف أباه في تلك
_________
[١] هكذا ضبطت في كتاب الأعلام للزركلي. انظر المجلد السادس ص ٢٨٣.
1 / 6
الرتبة.
تزوج بامرأة فارسية من خراسان وأقام بالموصل، وتقرّب إلى واليها فخر الدين عيسى بن إبراهيم بإهدائه كتاب «الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية» الّذي فرغ من تأليفه عام/ ٧٠١/ هـ، وجعل نسبته إليه باسم «الفخريّ» .
وقد عقد جلال الدين السيوطي في كتابه «تاريخ الخلفاء» فصلا في دولة بني طباطبا العلويّة الحسنيّة فقال: «وقام منهم بالخلافة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم طباطبا في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين ومائة [١]» . ويبدو أن المذكور هو الجدّ الّذي نسب إليه ابن طباطبا المؤرّخ، وله خبر مفصّل في كتاب الأعلام للزركلي ج ٥ ص ٢٩٣. ولم تمدّنا المراجع بتفصيلات عن حياة صاحب الفخري سوى أنه تزوج من فارسية وزار مراغة بأذربيجان واستقر بالموصل وتوفي فيها عام/ ٧٠٩/ هـ. وقد أبدى انحيازا للمغول وتهيبا لسلطانهم ولمن حكموا تحت رايتهم بالإضافة إلى علوّيته.
أما كتاب «الفخري» فقد حوى جزأين هامّين: الأوّل، موضوعة الآداب العامة للسلاطين ومعاشريهم، وثانيهما التأريخ لثلاث من الدول: هي: دولة الخلفاء الراشدين، ودولة بني أميّة، والدولة العبّاسية، وقد تعرّض بذكر وجيز للدول العارضة على الكيان العبّاسي كالدولة العلوية المعروفة بالفاطمية مثلا.
وكانت خطته أن يذكر الخلفاء والسلاطين وأعمالهم ثم يثنّي بذكر من استوزره من الوزراء، ملمّا بطرائف الوقائع من الحكايات على وجه الاستطراد لدفع الملل عن القارئ.. وهذا ما يجعل كتاب «الفخري» أهلا للمطالعة من جهتين، جهة التاريخ، وجهة الطرائف والحكايات العجيبة. فهو كتاب تاريخ وكتاب أدب ومسامرة في آن معا، وقد تقلّد بقلادة الأشعار في كثير من صفحاته، وكأنّ الناثر العربيّ سواء أكان مؤرخا أو عالما أم فيلسوفا، لا يستغني عن الاغتراف من معين الشعر
_________
[١] انظر تاريخ الخلفاء، طبعة دار القلم العربيّ بحلب ص ٤٦٧.
1 / 7
الّذي هو ديوان العرب.
ويذكر الأستاذ عبد الوهاب الصابوني في كتابه «عيون المؤلفات» أنّ عنده من كتاب «الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية» طبعتين الأولى تامّة ولكنها غير محققة طبعت في مصر/ ١٩٢٧/ م، والثانية منقحة مصححة تاريخها/ ١٩٣٨/ م وقد راجعها ونقّحها محمد عوض إبراهيم بك وعليّ الجارم بك، ولولا أنني قد اطلعت على هذه الحقيقة بعد فراغي من تحقيق طبعة (عزّ) المتوفرة لديّ لنظرت بشكل أو بآخر في هاتين الطبعتين. على أنني كنت قد بيّنت حرصي على الانفراد بالجهد في الطبعة غير المنقحة ليكون لي فضل الجدّة والابتكار في إخراج العمل شكلا ومضمونا.
ومهما يكن، فللقارئ العربيّ أن يغتنم في كتاب «الفخري» مرجعا مختصرا ومفيدا بين المراجع التاريخية الأخرى المستفيضة مثل «تاريخ الأمم والملوك» لمحمد بن جرير الطبري، أو «الكامل في التاريخ» لعليّ بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري وغيرهما.. ورغم انحياز صاحب الفخري إلى علويّته وحملته على عديد من خلفاء الدولتين الأموية والعباسية يجد القارئ في الكتاب مرجعا هامّا في تاريخ العرب والإسلام وها هو الآن نصّ محقق من نصوص الأدب والطرائف..
اسأل الله تعالى أن يجعل لي فيه ذخرا ليوم الدين، وأن يجعل فيه مددا لطلاب المعرفة والعبرة التاريخية، وهو على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
حلب ١٠/ ٢/ ١٤١٨ هـ ١٦/ ٦/ ١٩٩٧ م عبد القادر محمد مايو الحلبي القسطلي
1 / 8
الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية
1 / 9