214

Dustur Culama

دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون

Publisher

دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت

Edition Number

الأولى، 1421هـ - 2000م

إلى عرض أي جانب أشار به إلى وجه اشتقاق التعريض ولا شك أن المعنى المستعمل فيه يكون واقعا تلقاء الكلام على طريق الاستقامة لا في جانب منه حتى يمال الكلام إليه. وكذا كلام ابن الأثير يدل بصريحه على أن المعنى التعريضي لم يستعمل فيه اللفظ بل هو مدلول عليه إشارة وسياقا فإذا الصواب ما لخصه بعض الفضلاء من أن اللفظ المستعمل فيما وضع له فقط هو الحقيقة المجردة ويقابلها المجاز وأما الكناية فمستعملة فيما لم يوضع له إصالة وفي الموضوع له تبعا والتعريض يجامع في الوجود كلا من هذه الثلاثة وذلك بأن يقصد بنفس اللفظ معناه حقيقة أو مجازا أو كناية ويدل بسياقه على المعنى المعرض به فلا يوصف اللفظ بالقياس إلى المعنى التعريضي بحقيقة ولا مجاز ولا كناية لفقدان استعمال اللفظ فيه مع كونه معتبرا في حدود هذه الثلاثة فلا يكون اللفظ بالقياس إلى معناه الحقيقي والمجازي والمكنى عنه تعريضا بل لا بد وأن يكون هناك معنى آخر. فإذا قلت المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه وأردت به التعريض فالمعنى الأصلي انحصار الإسلام فيمن سلموا منه والمعنى المكنى عنه المستلزم للمعنى الأصلي هو انتفاء الإسلام عن الموذي مطلقا وهو المقصود من اللفظ استعمالا. وأما المعنى المعرض به المقصود من الكلام سياقا فهو نفي الإسلام عن الموذي المعين وقس على ذلك حال الحقيقة والمجاز إذا قصد بهما التعريض. ثم إن المجاز قد يصير حقيقة عرفية بكثرة الاستعمال ولا يخرج بذلك عن كونه مجازا بحسب أصله وكذلك الكناية قد تصير بكثرة الاستعمال في المكنى عنه بمنزلة التصريح كأن اللفظ موضوع بإزائه فلا يلاحظ هناك المعنى الأصلي بل تستعمل حيث لا تتصور فيه المعنى الأصلي أصلا كالاستواء على العرش وبسط اليد إذا استعمل في شأنه تعالى وإلا يخرج بذلك عن كونه كناية في أصله وإن سمي حينئذ مجازا متفرعا على الكناية. وكذلك التعريض قد يصير بحيث يكون الالتفات فيه إلى المعنى المعرض به كأنه المقصود الأصلي الذي استعمل فيه اللفظ ولا يخرج عن كونه تعريضا في أصله كقوله تعالى: {ولا تكونوا أول كافر به} فإنه تعريض بأنه يجب عليهم أن يؤمنوا به قبل كل واحد وهذا المعرض به هو المقصود الأصلي ها هنا دون المعنى الحقيقي.

وإذا تحققت ما تلونا عليك علمت أن قوله التعريض تارة يكون على سبيل الكناية وأخرى على سبيل المجاز لم يرد به أن اللفظ في المعنى التعريضي قد يكون كناية وقد يكون مجازا كما توهموه وشيدوه بأن اللفظ إذا دل على معنى دلالة صحيحة فلا بد أن يكون حقيقة فيه أو مجازا أو كناية فإن تشييدهم هذا منقوض بمستبقات التراكيب المستفادة منها على سبيل التبعية كما مرت ومنقوض أيضا بالمعنى المعرض به فإنه وإن

Page 220