400

Al-Durr al-Manẓūm al-Ḥāwī li-Anwāʿ al-ʿUlūm

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

الرابع: أنك إذا رمت أمرا من حبس، أو جلد، أو طرد، أوعقوبة، نظرت هل ذلك يتم، ولا يقع فيه معارضة مانعة، ولا يتولد منه مفسدة ولا يجر إلى وهن، فإن غلب على ظنك ذلك أقدمت عليه، وإن غلب على الظن عكسه أحجمت عنه، فإن تركه من أصله والاغضاء أهون، وأقل وهنا من إظهار العزم، أو الشروع في العمل ثم الترك، أو الإتمام مع ما يتولد من مفسدة، وإن شككت لم تعجل، وعاودت التأمل، حتى ينكشف الأمر لك ولو بالظن، وإذا غلب على الظن التمام فعملت على الإقدام، وشرعت في الأمر، ثم انكشف ما لم تكن تظنه، فعلت من الشدة ما يمكن، وما عرفت تعذر تمامه تلطفت في التنحي عنه على وجه جميل، كأن تشير إلى ذي ود وصداقة أنه يتوجه إليك، أو يتحمل بالقرآن عليك، أونحو ذلك.

الخامس: الصبر فإن الله مع الصابرين وما شيء أنفع من الصبر في أمرنا هذا، ولا مفزع كمثله، فتتلقى المشاق بالصبر والتجلد، والتهاون بما لحق من مشقة أو ضرر أو أذى، فلا بد من ذلك لكل من تصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر?واصبر على ما أصابك?[لقمان:17]، وإذا كان هذا أمر لا بد منه فاللائق بحسن الخلائق التخلق به، ومجانبة الجزع والهلع، فليس يعود منه غرض، وإنما يقع بسببه شماتة أولي الشنآن، ومساءة أولي الود، والإزراء بالنفس وإذهابها حسرات، ومن الأسباب المعينة على الصبر توطين النفس على الحوادث، وعلى لقاء ما تكرهه من الناس، وترقب ذلك إلى حد تلاف النفس وذهابها، فهذا شأن من باع نفسه من الله وأوغل في هذه المعاني.

Page 434