Durr Farid
الدر الفريد وبيت القصيد
Investigator
الدكتور كامل سلمان الجبوري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
وَهَذَا النَّمَطُ كَثِيْرٌ في أشْعَارِ الفُصحَاءِ المُجَوِّدِيْنَ مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ وَالمُتَأخِّرِيْنَ، فَلْنَرْجِع الآنَ إلَى مَا كُنَّا اشْتَرَطْنَاهُ مِنَ الاختِصَارِ، وَاجْتِنَابِ الإسْهَابِ وَالإكْثَارِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِبْدَاعُ المَعْنَى، هُوَ أَنْ يَأْتِي الشَّاعِرُ بِمَعْنًى غَرِيْبٍ لَمْ يُسْبَق إِلَيْهِ، قَدِ اخْتَرَعَتْهُ فِطْنَتُهُ وَابْتَدَعَتْهُ قَرِيْحَتُهُ، يَدْهَشُ لإِنْشَادِهِ السَّامِعُ، وَتَطْرَبُ مِنْ اسْتِطْرَافِهِ المَسَامِعُ، فَيَشْتَرِكُ القَلْبُ وَالسَّمْعُ حِيْنَئِذٍ فِي الالْتِهَاجِ بِهِ. وَأكْثَرُ مَا يُوْجَدُ ذَلِكَ فِي أشْعَارِ المُوَلَّدِيْنَ وَالمُتَأخِّرِيْنَ، لأنَّ أشْعَارَ العَرَبِ المُتَقَدِّمِيْنَ تَعَلَّقَتْ بِالفَصاحَةِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَلَا تَصَنُّعٍ فِي أُسْلُوْبٍ - وَصْفِ المَنَازَلِ وَالرِّيَاحِ، وَالسَّحَابِ وَالنِّيْرَانِ، وَالخَيْلِ وَالافْتِخَارِ، وَمَا نَاسَبَ ذَلِكَ. فَقَلَّ أَنْ يُوْجَدَ فِيْهَا المَعْنَى البَدِيْعُ إلَّا فِي
= رَمَيْنَ فَأَضْمَيْنَ القُلُوْبَ فَلَنْ تَرَى ... دَمًا مَائِرًا إِلَّا جَوًى فِي الحَيَازِمِ
وكَقَوْلِ جَمِيْل بن مُعَمَّرٍ (١):
بُثَيْنَةُ إِنْ أَهْجُر هَجَرْتُ وَلَا قِلَى ... لَكُمْ أَوْ أَزُرْكُمْ زُرْتُ غَيْرَ مُرِيْبِ
وَلَكِنْ عَذَابِي عَنْ زِيارَتِكِ العِدَى ... وَخَوْفُ حَسُوْدٍ كَاشِحٍ وَرَقِيْبِ
فَلا تَسْتَمْلِكُ العَاذِلَاتُ بُثَيْنَةٌ ... وَلَا تَسْمَعِي فِيْنَا مَقَالَ كَذُوبِ
وَقَدْ زَعَمَتْ أَنِّي تَدَاوَيْتُ بِالنَّوَى ... وَهَلْ مِنْ دَوَاءٍ غَيْرَهَا وَطَبِيْبِ
وَكَيْفَ يُدَاوَى القَلْبُ مِنْهَا وَإِنَّهَا ... مِنَ الدَّهْرِ حَظِّي كُلّهُ وَنَصِيْبي
سَأَرْعَى عَلَى بُعْدٍ لَهَا عَهْدَ مَجْلِسٍ ... نَعِمْنَاهُ فِي لَهْوٍ هُنَاكَ وَطِيبِ
وَمَا الْتَذَّ لِي عَيْشٌ مُذِ النَّأْي بَعْدَهَا ... وَلا سَرَّنِي يَوْمًا وِصَالُ حَبِيْبِ
وَكَقَوْلِ قَيْسُ بن ذَرِيْحٍ (٢):
حَلفْتُ لَهَا بِالمَشْعَرَيْنِ وَزَمْزَمٍ ... وَذُو العَرْشِ فَوْقَ المقسمِيْنَ رَقِيْبُ
لَئِنْ كَانَ بَرْدُ المَاءِ حَرَّانَ صَادِيًا ... إِلَيَّ حَبِيْبًا إِنَّهَا لحبِيْبُ
(١) لم ترد في ديوانه (صادر).
(٢) مجموع شعره ص ٦١ - ٦٢.
1 / 102