151

Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Genres

وقد كان هذا الزعم من مبدئه ظاهر البطلان؛ لأن الدعوة إلى المؤتمر قد اشتركت فيها إندونيسيا والباكستان، وعدة كل منهما تقارب مائة مليون، ولم تكن إحداهما لقمة سائغة للدول المستعمرة في إبان عصر الاستعمار حتى يمكن أن يقال إنها مطمع سهل لجارة من جاراتها في قارة الثورة على الاستعمار، ولكن الواقع كان أبلغ في التقدير والتفكير في الدلالة على أغراض المؤتمر ونيات الداعين إليه، فإن الدولتين الكبيرتين لم تخلقا لهما منطقة نفوذ في شبر من الأرض، ولم تكسب إحداهما بكثرة عددها حقا لا تكسبه أصغر الشعوب الآسيوية أو الإفريقية، وكان نفوذهما ونفوذ أخواتهما منصرفين إلى غاية واحدة، وهي التعاون على توفير حظ الشعوب في القارتين من حقوق الحرية ومعالم الحضارة والثقافة، ولم نعرف حتى الآن علاقة بين أمتين في القارتين خرج بها مؤتمر «باندونج» من صبغتها باسم القوة أو الكثرة أو الرجحان في الثروة والعتاد.

وخلاصة العام في أمر «المؤتمر» أنه أسفر عن تغيير ملحوظ في اتجاه السياسة العالمية من جانب الكتلتين نحو القارتين، ومن جانب كل كتلة في سياستها مع الكتلة الأخرى، ومن جانب العلاقة بين الشعوب الآسيوية والإفريقية.

والعام مسافة قصيرة من الزمان، ولكن العام الذي يلحظ فيه مثل هذا التغيير خطوة كبيرة إلى مستقبل السلام.

الفصل السابع والثلاثون

الطفرة غير محال

من الأمثال التي شاعت في الزمن الحديث أن الطفرة محال، وهو مثل - كسائر الأمثال - يتوقف على فهم معناه، وقد يصدق أو لا يصدق على حسب المفهوم من الكلمة المهمة فيه.

أما الكلمة المهمة في المثل فهي كلمة الطفرة، فما هي الطفرة؟

إنك إذا سألت إنسانا من المتشددين في المحافظة على القديم والناظرين بعين الحذر والتهيب إلى كل تغيير في أوضاع الأمور علمت منه أن الطفرة هي الطموح إلى العظائم والهجوم على المجهول في سبيل هذا الطموح، وبخاصة ما كان منه ممتزجا بالحماسة الملتهبة والغيرة المتوثبة والتقدم إلى الأخطار في ثقة وصلابة وإصرار، على حد قول الفتى الحكيم أبي تمام:

إذا هم ألقى بين عينيه عزمه

ونكب عن ذكر العواقب جانبا

Unknown page