150

Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Genres

وقد أسلفنا في مقالنا الأول عن مؤتمر «باندونج» أن استقلال شعوب الشرق بسياستها حماية للدول الكبرى نفسها من غوائل مطامعها، ووسيلة محققة إلى توطيد أركان السلم في المشرق والمغرب، باختيار الكتلتين أو على غير اختيار منهما.

إن الخطر الأكبر على السلم إنما كان يأتي «أولا» من التنازع على المطامع في البلاد الشرقية، ويأتي «ثانيا» من الاعتماد على تسخير الشرقيين جنودا وعمالا وثمرات وأسواقا لمساعدة هذا الفريق أو ذاك في حربه للفريق الآخر.

وكانت كل دولة كبرى على يقين من تسخير طائفة من الشعوب الشرقية في حروبها وتدبير لوازمها العسكرية من الخامات والأيدي العاملة، أو من المواصلات وتأمين طرقها البرية والبحرية والجوية.

أما اليوم فلا توجد دولة كبرى تستطيع أو تزعم بينها وبين نفسها أنها قادرة على تسخير الشعوب الشرقية في حروب لا تعنيها.

وهذا التردد سبب قوي من أسباب التردد في الإقدام على المنازعات والحروب، وسبب أقوى منه للعمل الإيجابي على فض المشكلات واجتناب النزاع الذي يخشى من جرائره على السلام.

ولولا هذا التردد لانطلقت السياسة الدولية في أساليبها العتيقة، ومضت كل دولة تجمع من حولها الأتباع والأذناب وتدخلها في معسكرها من الآن قبل نشوب القتال، وكان تقسيم المعسكرات على هذا الأسلوب العتيق خطوة في طريق الحرب لا بد أن تتبعها خطوات سراع إلى النهاية المحتومة.

ولولا هذا التردد لما حصل هذا التقارب المباشر بين ساسة الكتلة الشرقية وساسة الكتلة الغربية، وهو تقارب لم يصل بعد إلى قراره المأمول عند الجانبين، ولكنه قد ابتدأ في طريق غير الطريق العتيق، ولا مناص له من الاتجاه إلى وجهة غير وجهة التعويل على التسخير وتقسيم المعسكرات علانية بين الفريقين. (3) وبين شعوب القارتين

وما ينبئ عن تغير الاتجاه في السياسة العالمية أن شعوب القارتين تعتمد في علاقات بعضها ببعض على التفاهم والتشاور، وتجري في تفاهمها وتشاورها على سنة المساواة والإخاء.

ولا نزال نذكر الساعة ما كان يقال عن البواعث الخفية إلى عقد المؤتمر الآسيوي الإفريقي من قبل الدولتين العظيمتين في آسيا، وهما: الهند والصين.

فقد زعموا أن هذا إنما أقيم لتغليب نفوذ الدولتين على القارة أو لتقسيمها بينهما إلى «مناطق نفوذ» جديدة على نحو المناطق العتيقة!

Unknown page