174

Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genres

Déterminisme . (ج)

يجب أن يكون قد درس الموضوع دراسة وافية في ساحة لا بأس بها، وتوصل إلى اكتشاف بعض القوانين المتعلقة بها.

لا يشترط في التأسيس دراسة الموضوع بكامله، أو اكتشاف قوانينه بأجمعها؛ لأن ذلك يستحيل على شخص واحد، حتى على رجال قرن واحد. فلو اشترط ذلك لما أمكن تسمية أي مفكر كان باسم «المؤسس»، لأي علم كان؛ لأن العلوم تتكون وتتقدم شيئا فشيئا بوجه عام، حتى إننا نستطيع أن نقول إن بناء العلم يعلو ويتوسع دائما ولا يتم أبدا.

ولهذا السبب إن تأسيس أي علم من العلوم لا يعني اكتشاف جميع حقائقه، بل يعني اكتشاف قسم من حقائقه بعد فهم خصوصية موضوعه، وإدراك تبعية ذلك الموضوع لقانون السببية، ومبدأ التعين والحتمية. (3)

إذا أنعمنا النظر في مقدمة ابن خلدون على ضوء هذه المبادئ والحقائق نضطر إلى التسليم بأن مؤلفها المفكر يجب أن يعتبر مؤسسا لعلم الاجتماع.

أولا:

لقد قال ابن خلدون بوجوب اتخاذ «الاجتماع الإنساني» موضوعا لعلم مستقل، وسمى هذا العلم باسم «علم العمران»، وبما أنه قصد من كلمة العمران الاجتماع بوجه عام، بدليل تعريفه للعمران بقوله: «هو التساكن والتنازل في مصر أو حلة، للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات» (ص41)، نستطيع أن نقول إنه سمى العلم المذكور باسم خاص، ينطبق على موضوعه تمام الانطباق.

لقد قال ابن خلدون عدة مرات بأن موضوع هذا العلم هو «العمران البشري والاجتماع الإنساني»، وصرح بأنه يختلف من علم الخطابة ومن علم السياسة، وأكد ضرورة اعتباره مستقلا عن سائر العلوم.

وقد قال: «إذا كانت كل حقيقة متعقلة طبيعية، يصلح أن يبحث عما يعرض لها من العوارض لذاتها، وجب أن يكون باعتبار كل مفهوم وحقيقة علم من العلوم يخصه» (ص38). وبما أن العمران البشري، والاجتماع الإنساني حقيقة قائمة بنفسها، وجب أن يعتبر من خصائص علم خاص قائم بنفسه.

ابن خلدون عين مبلغ شمول هذا العلم بوضوح يثير الإعجاب؛ فإنه أدخل «الملك والكسب والصنائع والعلوم» في نطاق موضوع العمران، فاعتبرها كلها من جملة مباحث علم العمران.

Unknown page