173

Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genres

ولكن المتخصصين في العلوم الاجتماعية القديمة لم يتنازلوا عن استقلالهم، ومع هذا اضطروا - حينما لاحظوا أهمية النتائج التي توصل إليها علماء الاجتماع - اضطروا إلى إعادة النظر في مباحثهم على أساس ملاحظة أحوال المجتمعات - وفقا لوجهات نظر علم الاجتماع - فأدخلوا بذلك روحا جديدة ونظرات جديدة في علومهم القديمة.

وبهذه الصورة أصبح علم الاجتماع يسيطر على جميع العلوم الاجتماعية، سواء أرضي أصحابها أم أبوا، وأخذ ينفخ روحا تقدميا فيها جميعها.

2 (1)

يتبين مما ذكرناه آنفا أن الذين اعتبروا أوغوست كونت مؤسسا لعلم الاجتماع لم يقولوا ذلك لزعمهم أنه كان أول من درس الحادثات الاجتماعية، بل إنهم قالوا ذلك لزعمهم أنه كان أول من نظر إلى المجتمع ككل، فاتخذه موضوعا لعلم مستقل قائم بنفسه.

لكننا نعتقد - بهذا الاعتبار - أن حق ابن خلدون بلقب «مؤسس علم الاجتماع» أقوى من حق كونت؛ لأنه كان قد فعل كل ذلك قبل أن يؤلف كونت دروسه في الفلسفة الإثباتية بمدة تزيد على أربعمائة وستين عاما.

نحن نعتقد أن مقدمة ابن خلدون لم تكن تلمسا بسيطا لعلم الاجتماع، ولا تحدسا غامضا عنه، بل كانت محاولة ناجحة لاستحداث علم الاجتماع، محاولة تستجمع جميع الشروط التي تخولنا حق تلقيبه بلقب «المؤسس» لهذا العلم. (2)

نحن نعلم أن لقب المؤسس لعلم من العلوم لا يجوز أن يمنح لأي مفكر أو عالم كان، إلا إذا تحققت في أبحاثه الشروط الجوهرية التالية: (أ)

يجب أن يكون العالم المذكور قد تصور موضوع العلم مستقلا عن مواضيع العلوم المعلومة، وأن يكون قد اقتنع بأن ذلك الموضوع يحتاج إلى درس خاص. (ب)

يجب أن يكون قد اعتقد أن الحادثات المتعلقة بذلك الموضوع، لم تكن من الأمور التابعة للأهواء والصدف، بل إنها من الأمور التي تحدث وتتكون تحت تأثير أسباب وعوامل معينة، والتي تتعين تعينا تاما بالظروف والأسباب الموجبة لها، وبتعبير أقصر: إنها من الأمور التي تتبع قانون السببية

Causalité ، وتدخل في نطاق مبدأ التعين والحتمية

Unknown page