Dhu Nurayn Cuthman Ibn Caffan

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
67

Dhu Nurayn Cuthman Ibn Caffan

ذو النورين عثمان بن عفان

Genres

وأول ما يدل عليه أنه لا تدبير ثمة ولا تحضير، فلو كان عثمان على علم باختياره للخلافة لما أعياه أن يعد لهذا المقام كفايته من المقال البليغ، ولكنها قد جاءته وهو لا يستبعد أن تفوته، ولا يزال يخشى في ذات نفسه أمام الله أن يتعجلها بالتحضير والتدبير، وأن يطوي في سره منها ما لم يكن له أن يبديه في العلانية.

ثم خطب فاتفقت الأقوال أو كادت على نصوص خطبه الأولى، وكان مدارها على: فتنة الدنيا، والوعد باتباع السنن واجتناب البدع، وتهدئة النفوس من قبل ما تخافه، ولا تخاف خطرا أكبر من خطره.

قال في خطبته الأولى: «إنكم في دار قلعة، وفي بقية أعمار؛ فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه. فلقد أتيتم، صبحتم أو مسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. اعتبروا بمن مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلا؟ ألم تلفظهم؟! ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها ...»

وقال في أوائل خطبه: «... إني قد حملت وقد قبلت، ألا وإني متبع ولست بمبتدع. ألا وإن لكم علي بعد كتاب الله عز وجل وسنة نبيه

صلى الله عليه وسلم

ثلاثا : اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم، وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملأ، والكف عنكم إلا فيما استوجبتم. ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم؛ فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها ...»

إن أقرب الأخبار إلى الصدق ما تهم بأن تنفيه؛ فيحمي صدقه بآية من دواعيه قبل النفس وقبل الواقع، وكل ما كان خليقا أن يحدث عند مبايعة الخليفة الثالث قد حدث على وجهه الذي يطابق الواقع والمتوقع، وفي هذه الخطبة مطابقة لما يتطلبه الموقف من المعدات والعهود، وفيها زيادة وعد «بالكف عن الناس إلا فيما استوجبوه»، ولعلها الزيادة التي أتت في أوانها بعد ما تململ منها القوم من صلابة عمر ومنعه إياهم أن ينساحوا في الدنيا خوفا عليهم منها وخوفا منهم عليها.

أما المكائد التي أبدعتها أوهام المتوهمين فقد يبطلها قبل كل شيء أنها ليست بمكائد تعمل عملا ينفع من يكيدها.

ومن هذه المكائد ما يخيل إلينا أن مخترعيها وضعوا حين وضعوها «قصة مسرحية» يعطون كل بطل من أبطالها دوره في الكلام ودوره في الدخول والانصراف، ومنها ما يخيل إلينا أن أصحاب الشورى كانوا عصبة محضرة مستعدة على مصارحة بينها لحرمان هذا واجتباء ذاك، وإحدى هذه الخيالات خيالة المستشرقين الذين توهموا أن أصحاب الشورى خصوا عثمان باختيارهم؛ لأنه شيخ يدلف إلى منيته فكلهم يطمع فيها بعد موته، أفحدث حقا أنهم خصوه وعرفوا يقينا قبل أن يبايعه عبد الرحمن من سيكون مختاره ومجتباه؟!

وفي مكيدة أخرى من هذه المكائد التي «يمسرحها» المخترعون لها أن اختيار عثمان قرر الملك لبني أمية على نية مبيتة، فهل هي مسرحية يكتبها التاريخ نسخة بعد نسخة، ويريد هنا غير ما يريد هناك؟!

Unknown page