Dar Qawl Qabih
درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح
Investigator
أيمن محمود شحادة
Publisher
الدار العربية للموسوعات بيروت
Edition Number
الأولى
Genres
الكتاب والسنّة، مّما يدٌلّ على ما قُلناه، ممّا يأتي استقراؤه.
فهم إِذا خالَفوا هذا الأصلَ في أفعال العباد، وَجَب عليهم في حُكمِ النظرِ بيانُ مستَنَدِ المخالَفةِ. فكانوا مستدلِّين بالقياس المذكور، وقد مَنَعناه. فإِن أَتَوْا بحجّةٍ صحيحةٍ غيره تلزمنا، لمانعناهم. وإِلاّ، فنحن على وَفق الأصلِ عقلَا وشرعًا. فهذه طريقةٌ جيّدةٌ في مناظرتهم.
قوله، "ولم يكن في السلف أحدٌ يُنكِر ذلك ولا يجادِل فيه؛ لأنهم كانوا على أمرٍ واحدِ متَّسقٍ". قلتُ: قوله ذلك إشارةٌ إِلى ما سبق من قولِه: "لم يُبطلوا حقَّا، ولا ألحَقُوا بالرب إِلاّ ما ألحَقَ بنفسه، ولا احتجّوا إِلاّ بما احتج اللهُ على خلقِه"؛ وقد بَيّتّا صحّةَ ذلك منهم، وأنهم كانوا مثبِتين للقدر. فإن أراد به هذا- وليس مرادَه- فصحيحٌ أنَه لم يُنكِره أحدٌ مِن السلفِ. وإِن أراد أنهم لم يكونوا يُنكرون الاعتزالَ والقولَ بنفيِ خلقِ الأفعالِ، فهو كذِبٌ عليهم، بما سيأتي من نصوص السنّة يجادِل فيه"، فخطأٌ صُراحٌ. وهو ممّا يَدُلَ على أنّ الرسالة ليست من كلام الحَسن. فإِنّه لم يكن يخفى عليه غالبًا، مع تَبَحرِه في علم الرواية، ما رَواه أبو هريرة. قال: فَرَج علينا رسُول الله ﷺ ونحن نَتَنازَع في القدر.
فغَضِب، حتى احمَرَّ وجهُه، حتى كأنما فُقيء في وَجنتيه الرمّانُ. فقال: "أبهذا أُمِرتم! أم بهذا أُرسِلتُ إِليكم! إِنما هَلَكَ مَن كان قبلَكم حين تَنَازَعوا في هذا الأمر. عَزَمتُ عليكم أن لا تَتَنازَعوا فيه". وهذا الحديث، وإِن كان الترمذيّ قد غَربَّه، وقال: "لا نَعرِفه إِلاّ مِن حديث صالحٍ المُرِّيّ، وله غراب يَنفَرد بها"، لكن قد رَوى مسلمَ في صحيحه نحوَه من حديث عمرو بن العاص. ومِثلُ هذه قضيّةٌ تَشتهِر، ولم تَقَع إِلاّ بَعدَ نِزاعٍ طويلِ، حتى اجتَمَعوا لها ليَستخرِجوا صوابها؛ فكيف يَصحُّ أن يُقال: "إِنهم لم يجادلِوا فيه"؟
1 / 211