Cuyun Tafasir
عيون التفاسير للفضلاء السماسير للسيواسي
Genres
قوله «1» (إن الله كان عليكم رقيبا) [1] جواب القسم على القراءة بالجر في الأرحام ولم يعطف على ما قبله ، والمعنى: أنه تعالى أقسم بالأرحام بعد ما أمر بالتقوى، إن الله كان عليما «2» بأسراركم، أي حفيظا لأعمالكم ناظرا إليها «3» يسألكم عنها ويجازيكم بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عمل حسنة أسرع ثوابا من صلة الرحم، وما من عمل سيئة أسرع عقوبة من البغي» «4».
[سورة النساء (4): آية 2]
وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا (2)
وبعد الأمر بالتقوى أمر بالعدل وتسليم «5» الحقوق إلى مستحقيها «6» كما يجب في الشرع بقوله (وآتوا) أي أعطوا (اليتامى) وهم الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم، واليتم الانفراد، واليتيم فعيل قياسه أن يجمع على يتمى كمريض على مرضى، ثم يجمع على يتامى، وحقه أن يقع على الصغير والكبير بمعنى الانفراد عن الأب فيهما إلا أنه غلب استعماله في الصغير لاستغناء الكبير بنفسه عن الكافل، فكأنه خرج عن معنى اليتم لقوله عليه السلام: «لا يتم بعد الحلم» «7»، وهو تعليم شريعة لا لغة، يعني سلموا إلى اليتامى (أموالهم) وقت استحقاقهم تسليمها إليهم، فالمراد منهم الكبائر تسمية لهم يتامى على القياس وإشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ، ثم قال (ولا تتبدلوا الخبيث) أي لا تقبلوا المال الحرام (بالطيب) أي بالمال الحلال «8»، والمراد منه أن يعطوا من أموالهم رديا وهو حلال لهم «9» ويأخذوا جيدا من أموال اليتامى وهو خبيث في حقهم، ثم قال تأكيدا لذلك (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وهو في موضع الحال، أي مضمومة إلى أموالكم في الإنفاق لقلة المبالاة بما لا يحل لكم، والنهي وارد على فعلهم العادي أو كان الأكل بعد ضمها إلى الحلال أقبح، فنهوا عن ذلك (إنه) أي إن ذلك الأكل (كان حوبا كبيرا) [2] أي إثما عظيما عند الله فاجتنبوه، روي: أن الآية نزلت في رجل من غطفان، كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال فمنعه عمه، فترافعا إلى رسول الله فقرأها عليه، فلما سمعها قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع ماله إليه، فلما قبض اليتيم ماله أنفقه في سبيل الله، فقال عليه السلام ثبت الأجر وبقي الوزر، فقالوا: يا رسول الله! كيف بقي الوزر وقد أنفق في سبيل الله؟ فقال عليه السلام: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده «10».
[سورة النساء (4): آية 3]
وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)
قوله (وإن خفتم ألا تقسطوا) نزل حين تحرجوا «11» من ولاية اليتامى مخافة أن لا يعدلوا بسبب نزول الآية السابقة، وكان منهم من تحته العشر من الأزواج أو الثماني «12» أو الست فلا يقوم بحقوقهن ولا يعدل بينهن «13»، فقال تعالى وإن خفتم «14»، أي علمتم «15» أن لا تعدلوا (في) أموال (اليتامى) من أقسط إذا عدل، وهو من قسط
Page 195