هنا تصرخ عزيزة ضائقة: أما من مهرب من هذا السجن الكبير قرطاج، تونس بأكملها؟!
وعادة ما ينتهي الأمر بالسفر البحري متنفسا ولو للتغيير داخل موانئ تونس وقلاعها وتخومها السبعة، لحين انتهاء الرحلة والعودة مرة أخرى إلى الأهل والوطن.
وهكذا بدأت حياة الأميرة عزيزة الباهرة الجمال ابنة سلطان تونس أقرب إلى أن تكون حياة منقسمة أو مزدوجة الشخصية.
فبينما اتسعت شهرتها لتعم الآفاق ليتغنى بها الشعراء وينشدها المداحون وتذكرها مسارح خيال الظل في كل مناسبة ومكان؛ مضت هي تعاني وحدتها القاسية تفاديا للمنغصات والمعوقات التي لم تفرغ منها جعبة العلام يوما أو لحظة.
تنكر «أبو زيد» والفرسان الثلاثة
كان أصعب ما في «الريادة» والعزم على السفر بالنسبة إلى فارس التحالف الهلالي أبي زيد بصحبة الأمراء الشباب الثلاثة يونس ومرعي ويحيى؛ هو كيفية مفاتحة زوجته العالية بنت جابر بالأمر، فما الذي يمكن قوله لها وهي التي لم يمض على زواجها منه، برغم قتله لشقيقيها عقيل وزيد سوى تسعة أيام لا غير؟
صحيح أن أبا زيد أحال تجربة تلك الأيام التسعة إلى ما يقارب تسعة أعوام، تمكن خلالها من ترطيب جراح العالية الغائرة الأبعاد، بطرح تفاصيل وظروف ما حدث منه لشقيقيها في مجاهل الهند وسرنديب منذ زمن مضى وانقضى.
وطالبها أبو زيد في نهاية شرحه لما حدث بأهمية الأخذ بمبدأ أن ما فات مات وانتهى أوانه وأجله، فالأكثر أهمية هنا هو حاضرهما معا، يعانيان مشاكل ما حط على كاهل العرب الهلاليين في السنوات الأخيرة من كوارث لا قبل لهم بها على طول تاريخهم الطويل الحافل: المهم يا عالية يا حبيبتي هو محاولة تغيير واقعنا دون استسلام.
وكم كانت فرحته حين انتفضت العالية بنت جابر كما لو كانت تجفف آخر دموعها قائلة: معك كل الحق يا أبا زيد، المهم هو المستقبل وكيفية تملكه.
ظل أبو زيد طيلة تلك الأيام البسيطة التي اختلى فيها بالعالية ليل نهار يحاول إرغامها على نسيان ما حدث منه لشقيقيها الأميرين عقيل وزيد دون رجعة، وهو لا يكف عن محادثتها والتقرب بكل كيانه منها، كما لو كان على دراية بأن خلوتهما معا قصيرة العمر كزهور الخريف البرية، التي سرعان ما يذويها الغياب والترحال.
Unknown page