205

لننتقل الآن إلى مسألة أخرى لها علاقة بعلي بن عيسى بن ماهان من ناحية، كما أن لها علاقات بما يقع فيه القصاص والمؤرخون والرواة من تناقض من ناحية أخرى، تلك المسألة هي ما يعزى إلى زبيدة من نصيحتها لابن ماهان باحترام المأمون وإجلاله، وأنها قالت له: «يا علي، إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي، إليه تناهت شفقتي، وعليه تكامل حذري، فإني على عبد الله متعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى، وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه، وغاره على ما في يده، والكريم يأكل لحمه ويمنعه غيره، فاعرف لعبد الله حق والده وإخوته، ولا تجبهه بالكلام؛ فإنك لست نظيره، ولا تقتسره اقتسار العبيد، ولا ترهقه بقيد ولا غل، ولا تمنع منه جارية ولا خادما، ولا تعنف عليه في السير، ولا تساوه في المسير، ولا تركب قبله، ولا تستقل على دابتك حتى تأخذ بركابه، وإن شتمك فاحتمل منه، وإن سفه عليك فلا تراده».

معقول أن يكون ذلك من زبيدة لابن زوجها الرشيد! ولكن التاريخ يحدثنا عن قيد من الفضة قيل إنها أعدته ليقيد به المأمون، كما يحدثنا أن المأمون نفسه اعترف بمسألة هذا القيد، بيد أن نص النصيحة وما اشتملت عليه من الأوامر وما جبلت عليه نفسية السيدة زبيدة مما يرجح عدم صحة القول بإعدادها قيد فضة أو ذهب ليقيد به المأمون. (7) انتصار الجيوش المأمونية ومقولات الشعراء

وقد كتب الله للجيوش المأمونية الفلج والنصر على الجيوش الأمينية. ونترك هنا الكلمة لطاهر بن الحسين، قائد المأمون، فإنه ينبئ خليفته عن ذلك الانتصار بقوله: «أطال الله بقاءك، وكبت أعداءك، وجعل من يشنؤك فداءك، كتبت إليك ورأس علي بن عيسى بين يدي، وخاتمه في أصبعي، والحمد لله رب العالمين».

وذكر بعض أهل خراسان أن المأمون لما أتاه كتاب طاهر بخبر علي بن عيسى بن ماهان، وما نالته جيوشه من فوز وانتصار، وما أوقع الله بجند خصمه من فشل وانكسار، قعد للناس، فكانوا يدخلون عليه فيهنئونه ويدعون له بدوام العز والنصر ، وأن المأمون في ذلك اليوم أعلن خلع محمد، كما أعلن خلافته في جميع كور خراسان وما يليها، وسر بذلك أهل خراسان وخطبت الخطباء وأنشدت الشعراء، وفي ذلك يقول الشاعر:

أصبحت الأمة في غبطة

من أمر دنياها ومن دينها

إذ حفظت عهد إمام الهدى

خير بني حواء مأمونها

على شفا كانت، فلما وفت

تخلصت من سوء تحيينها

Unknown page