324

Cadl Wa Insaf

العدل والإنصاف للوارجلاني

Genres

فيه الروح والنسم. ومكث في الرحم مدة ليس له علم بشيء من الأمور إلا الحس به يستلذ وبه ويتألم. فجميع مضار أمه مضاره وجميع ملاذ أمه ملاذه، وربما تقع له الشواذ في الآلآم والملاذ، لا شم ولا طعم ولا سمع ولا بصر إلا الحس وحده. وغذاؤه من سرة أمه إلى سرته. لا بول ولا غائط ولا لعاب ولا مخاط ولا عرق. فلما حان حين خروجه اقلبه الله تعالى فإذا سبق رأسه ويداه كان مستويا، وإن سبقت رجلاه كان منكوسا وهو اليتن. فلما انقشع عنه حجاب الرحم تألم لمس الهواء كل الآلآم فصرخ:

... لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... ... يكون بكاء الطفل ساعة يوضع

... علام بكى لما رآها وإنها ... ... لأرحب مما كان فيه وأوسع!

/فجرت الحركة في مفاصله، فأبصر وسمع وذاق وشم إلى ما تقدم من الحس والجس. فلما انجمعت حواسه وجرى حديث النطق في شفتيه ولسانه ظهر التأمل للناس والنظر إلى صورتهم، والاستمتاع إلى أصواتهم ووقعت التفرقة بين الأب والأم والحشم والخدم، فقرن به الله تعالى الملك صاحب اليمين فكان في سياسته ويعلمه. فلما استتم له الانفصال والانفصام، ونقل إلى الشراب والطعام، نشج فبكى وسجم فشكى بعينيه ما يلقى، فلما أيس آنس واستأنس، ومكث في تعلم الكلام سبع سنين وهو مع ذلك في خفظ صاحب اليمين يلهمه ويلقنه، ويعلمه ويلسنه. فقرن به عند تمام سبع سنين صاحب الشمال يرشده ويقويه ويؤيده تمام أربع عشرة سنة. ففي/ السبع الأول يلتقط الحروف حرفا حرفا، ويركبها كلما كلما. وفيها حصل له معنى الفاعل والمفعول والفعل الماضي والآتي. فتراه يستنج من كل صفة سمعها - ولم يعهدها - اسم فاعلها ومفعولها، وماضيها ومستقبلها، ويقع الغلط في مصادرها أحيانا، فإذا ظهر على الكلام.

Page 325