قال محمد وقد ضاق بجوابه: «كل يعرف ما نواه.» وسكت. ثم سأل: «ألا تأتيان معي إلى منزل علي؟» قال يزيد: «لا نرى ما يدعو إلى هذا الآن.»
فنهض محمد وودعهما وخرج غاضبا ناقما على مروان، وحدثته نفسه بأن في بقاء عثمان خليفة عونا لمروان على نيل أسماء.
أما هي فلم يكد محمد يتوارى حتى ندمت على بقائها، فإن أنفتها منعتها من الخروج.
الفصل السادس
أسماء في دار الخليفة
أصبح يزيد بعد أن رأى اختلاء محمد بن أبي بكر بابنته يخشى أن يزداد ميلها إليه إذا جاءها مرة أخرى، فيفشل مسعاه لتزويجها مروان، وفكر في حيلة تنجيه من ذلك فاعتزم أن يبغضه إليها وقال لها: «أرى محمدا من الناقمين على الخليفة، فهل تعلمين سبب نقمته؟»
قالت: «وما ذلك؟» قال: «علمت أنه كان طامعا في ولاية مصر بدلا من عبد الله بن أبي سرح أخي الخليفة بالرضاع، فلما لم يؤثره الخليفة على عبد الله نقم عليه. وعلمت أيضا أنه كان قد ولاه مصر ووجهه إليها ثم رجع عن عزمه وأرجعه فعاد ناقما. وقد أشرت إلى ذلك من طرف خفي فلم يجب.»
فساء أسماء ظنه في محمد، وهي تشعر بعطف وميل شديدين إليه، ولكنها سكتت.
وفكر يزيد بعد ذلك فيما يأمن به خروج أسماء إلى علي فلم ير خيرا من أن يدخلها دار الخليفة، فتركها وقصد نائلة زوجة عثمان وترامى على قدميها وبكى، فلما سألته عما يبكيه قال: «يبكيني يا سيدتي ما عليه ابنتي من الحزن على فقد أمها، وأخشى إذا بقيت مقيمة وحدها أن تصاب بجنون، وكثيرا ما أراها تهم بالخروج إلى مدفن أمها في قباء فأمنعها بالحسنى فلا تمتنع، وهي كما تعلمين فتاة صغيرة لم تخبر الدنيا.» قال ذلك وشرق بدموعه مكرا وخداعا.
فقالت نائلة: «وماذا ترى أن نصنع؟» قال: «أرى أن تكون عندك تحت جناحك.»
Unknown page