فأثر هذا المشهد المحزن في نفس الأميرة والأمير أشد التأثير، وضاعف عندهما التشاؤم حتى اضطرا إلى الإسراع في العودة فرارا من هذه الخيالات المزعجة، فسار الموكب آيبا إلى القصر تهفو له القلوب والأرواح، أينما مر وأينما لاح، إلى أن وصل إلى القصر، وهنالك استقبل الأمراء الثلاثة بلائق الإكبار والإعظام، وكان الوجوه والأعيان قد أخذوا يتوافدون آتين من أطراف المملكة وأقاصي البلاد، لحضور حفلة القران حتى ازدحمت أبواب القصر بالناس، وغصت ساحاته ورحابه.
وما هو إلا أن فرغ الملك وأبناؤه وأصحابه من تناول طعام الغداء حتى بدأ الوزراء والرؤساء يتواردون على القصر، منصرفين من مصالح الحكومة ودواوينها ليعرضوا حوادث اليوم وأحواله على صاحب الحكومة، فأنهى وزير الخارجية فيما أنهى أن ملك الصين قتل، وأن هذه الدولة آلت إلى شعوب الشمال المتبربرة، فلم يعد يرجى أن تقوم لها قائمة بعد، وأخبر مأمور الأقاليم أن الشقي «طوس»، وابنه «هاموس»، وجدا مصعوقين ميتين على بعض البيد المتاخمة لبيداء الذئاب، وأن قد وجدت على «طوس» وصيته ثم تلا هذه الوصية على مسامع الملك وهي:
إذا زالت يتيمة الصين، زالت هذه الدولة للحين، وآلت إلى متوحشة الشماليين، وإذا بلغ من «رمسيس» الوهن، وابيضت عيناه من الحزن، ومات في أرذل السن، غما بابنه خير ابن، فسد أمر هذه الأمة، فلا تزال تتغلب عليها دول الزمان، وتتقلب الأديان، ويمحو اللسان عندها اللسان، حتى يعمل عالمها ويقتصد فلاحها ويرجع صانعها لشيمته الإتقان.
وبعد؛ فإن صاحب هذه الوصية يتبرع بعد موته بكتبه من كل صنف وعدتها ألف ألف، لجامعة الآداب والفلسفة في طيبة عاصمة المملكة المصرية، وبأمواله الطائلة من مكسوبة وآيلة، للأمير «آشيم» ولي عهد جلالة الملك، ومن بعده للأمير «بيسمتوس» ثاني أنجال جلالة الملك، ومن بعده لجلالة الملك نفسه؛ أي «رمسيس الثاني سيزوستريس» ملك مصر العليا والسفلى الذي اخترته منفذا لوصيتي هذه مسئولا عن إجرائها أمام ذمته وأمام الآلهة والناس.
التوقيع «طوس الكاهن الأعظم»
للديار المصرية سابقا
فحين استوعب الملك وأصحابه فقرات هذه الوصية راحوا مبغوتين مبهوتين كأن بهم سحرا، وكان أكثر ما اندهشوا للترتيب غير الطبيعي الذي جرى عليه «طوس» في الفقرة الأخيرة عند ذكر المال، وفي الواقع فإن «طوس» لم يكن ليخرق البديهيات، لولا أن أحس شيئا مما كانت روحه اللطيفة تتنوره في عالم الغيب والخيال.
ولم يلبث الملك أن خرج من دهشته، فأخذ الوصية ودفع بها إلى كاتم أسراره لينفذها في الحال، ثم التفت إلى مأمور الأقاليم فأمره أن يعمل اللازم لتحنيط جثة الفقيد، ونقلها بعد ذلك إلى العاصمة لتدفن بلائق الاحتفال في أضرحة الآباء والأجداد.
ثم إنه صرف الحضور إلا خواصه الذين لبث معهم بقية النهار ومعظم الليل مشتغلين بتدبير يوم المهرجان وليلته.
الفصل السابع
Unknown page