226

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

ألا تخشون أن تسيروا بنا إلى اليأس؟ ألا تخشون أن تجعلوا مقاومتنا أشد مما هي عليه الآن؟

بسمارك :

آه! أجل! مقاومتكم! أحسن السماع لي، لا يحق لكم أمام الله والناس أن تسلموا مدينة يزيد عدد سكانها على مليونين من الآدميين إلى المجاعة وصولا إلى مجد حربي هزيل! إن الطرق مقطوعة، ولا يمكننا أن نعيدها إلى سابق حالها في ثمان وأربعين ساعة، وستخسرون مائة ألف شخص في كل يوم، ولا تتكلموا عن المقاومة؛ فهي جريمة في مثل هذه الحال!

وهنالك يلتفت بسمارك إلى الباب الذي افترض وجود سفير نابليون منتظرا خلفه.

فافر :

والآن، لا تفرضوا على فرنسة عار الإذعان لرجل من آل بونابارت بعد تلك المصائب التي أصبنا بها!

وتمضي خمس دقائق فيتفق على التنزل والغرامة الحربية مبدئيا، ويعقب الغداء ذلك، وينظر الجميع إلى طعام رسول العاصمة الجائعة، ويبحث في المقدمات ويعرض بسمارك سغاير فيرفض الفرنسي.

ويقول القطب السياسي الألماني: «أنت مخطئ؛ فالأفضل التدخين عند البدء بحديث يلوح اشتداده، ولا تجد مدخنا يريد رمي سيغاره، والمدخن يجتنب كل حركة بدنية عنيفة، والتدخين يصقل أذهاننا، وأدخنة التبغ الزرق التي تتصاعد من سغايرنا تسحرنا فتجعلنا أكثر مجاملة، والأعين تبصر، والأيدي تعمل، والرائحة تسر والناس يشعرون بسعادة عند التدخين.» ويمضي بضع دقائق على قوله هذا فيلتهب غيظا حول موضوع غاريبالدي، فيقدم الكونت الفرنسي - الذي كان رفيقا لفافر فروى ذلك الحديث - سيغارا إليه وهو يتبسم.

ويعترف الفرنسيون لبسمارك بتمام نبوغه وكمال لطفه، أجل إنه يلاعب الفرنسيين كما يلاعب الهر الفار، غير أنه يبدو للحضور بأسلوب غولي فتنا لخصومه الذين لا يقل رغبة عنهم في السلم، ولو كان مفاوضا لأناس من الإنكليز لاختلف أسلوبه عن ذلك لا ريب، ويقابل تيار بسمارك بعدئذ ويجيد تيار الكلام ويطلب بسمارك ستة مليارات، ويصرخ تيار قائلا «هذا عيب!» ويبدأ بسمارك الكلام باللغة الألمانية في الحال ويقول إن عليه أن يطلب حضور ترجمان، ويقول في ذلك: «إن معرفتي لغتكم هي من الضعف ما لا أستطيع معه أن أفهم ألفاظ مسيو تيار الأخيرة.» ثم يتشاوران ويتفاوضان ويداومان على النقاش، ويتكلم بسمارك بالفرنسية مجددا.

ويقول فافر: «لقد أبصرت في بسمارك رجلا سياسيا أسمى من كل ما يمكن الإنسان أن يتصوره من مدلول هذه الكلمة، وتدل سيماه على أنه لا يبالي بغير الموجود وعلى أنه لا يبحث عن غير الحلول العملية ... ويتقبل كل مؤثر مهيج فلا يملك صولته دائما، وكنت دهشا لما يبديه من حلم أحيانا ومن قسوة في أحيان أخرى ... وهو لم يخدعني قط، وهو يؤذيني ويثيرني بقسوته في الغالب، ولكنني أجده في الأمور الصغيرة والكبيرة مستقيما مدققا.» ويعد هذا الحكم الصادر عن عدو أعظم من كل مدح نفح به بسمارك.

Unknown page