Bayrūt wa-Lubnān mundhu qarn wa-niṣf al-qarn
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
Genres
ثم دخل الموضوع وعرض على الأمير بشير عقد مخالفة تجارية، مبينا له جميع الفوائد والمنافع التي يمكن البلدان أن يجنياها منها إذا عقدت.
وبعد تفصيلات عديدة ختم رسالته بهذه العبارة ليطمئن الأمير الذي قد يخالجه الحذر والخشية، فقال له: «إن انتصارات اللورد ولينغتون الذي قاد جيش إسبانيا، قد أوثقت وغلت تماما أيدي بونابرت، فحالت إلى الأبد دون إحراجه موقف أصدقائنا في مصر وسوريا.»
وفي غضون ذلك نكب الجبليون وأهالي سوريا بموت سليمان باشا الرجل الطيب، فخلفه عبد الله بك ابن كاخيته وعمره اثنان وعشرون عاما، فافتتح أعماله بذبح من أحسن إليه، ألا وهو مدبر سلفه الأول، ملحم حايم الإسرائيلي الذي وهب مقدرة لا تجارى في الأعمال الإدارية.
إن هذا الوزير الشاب الذي استسلم إلى نزقه ما لبث أن اتبع سياسة الجزار في قضايا الجبل، فضاعف الستماية كيس، بل زاد على تلك القيمة مبلغا ضخما يقدر بألفين ومائتي كيس.
ولا بد من القول هنا إن تعطش الباشا للذهب قد نتج عن الضريبة الفادحة التي قضي عليه بدفعها لينال العفو، بعد عصيانه على الدولة عام 1823، في حين أنه لم يكن يدري أن الأمير بشير قد قاسمه نقمة الدولة عليه، ثم لم يسهم بشيء في سبيل الحصول على العفو والغفران.
كان مصير الأمير مرتبطا بمصير هذا الباشا. ظن الأمير أن مركز الباشا وطيد لا يتزعزع، وهو لا يتزحزح من منصبه . فما كاد يشعر بترجرج موقف الباشا حتى غادر البلاد ميمما مصر، فوجد فيها ملجأ منيعا يحتمي به. فمحمد علي الذي سبق أن ربطته بالأمير علاقات قوية ساعده بكل ما أوتي من نفوذ؛ وهكذا عاد الأمير بشير إلى تولي حكم الجبل، على الرغم من أن الباشوات الذين حاصروا عكا أسندوا منصبه إلى الأمير عباس.
ورأى الأمير الكبير أن البلاد تحركها أحزاب تناصبه العداء، فازداد تخوفه، ولا سيما حينما وجد الدروز منضمين - هذه المرة - إلى أقربائه وذويه الذين يتآمرون على دك سلطانه.
كان قد سبق للدروز أن قاموا عام 1817 بمحاولة من هذا النوع، فاستولى الشيخ بشير جنبلاط على الحكم، مستعينا بنفوذ أبناء طائفته الكبير في الجبل.
3
إلا أن دستور الجبل كان يحظر الولاية على كل زعيم لا ينتمي إلى الأسرة الشهابية. وعلى الرغم من أن الأمير بشيرا أكره على الفرار إلى حوران، فالشيخ الجنبلاطي لم تواله إلا حظوظ عابرة.
Unknown page