62

Bayrut Baka Laylan

بيروت البكاء ليلا

Genres

كان المحاصر منهم يتطلع إلى جاره أو جارته، وجه أسمر فينيقي أو أوروبي، وبخاصة فلسطيني، يبرز له مرة مطلا غارقا في أوهامه ومخاوفه، من فجوة شقة، أو عبر ستائر أو شباك أو كرسي هزاز.

بينما الطلقات وراجمات الصواريخ تدوي، ويبرق ضوؤها المعدني المذهب ساطعا على السحب منطبعا على الطبيعة ذاتها التي تغيرت سحنتها وفضاؤها اللاندسكيبي، فأصبحت في بعض الليالي شديدة القيظ، أميل إلى البرودة وخلخلات صقيع بيروت الشتوي.

حتى إذا ما أعقب صمت الليل الدامس الخالي من كل نور وكهرباء، الدوي، تبدت المدينة عبر صمتها وجراحها النازفة أشبه بجسد عملاق لمريض أو جريح مفتوح البطن، ممتثل لعملية جراحية إسرائيلية النهج.

وعلقت بضع سحنات بذهن المهاجر، منها ذلك الكهل الفلسطيني وابنته العايقة التي قتل زوجها منذ اليوم السادس في الدامور، والذي استوطن إحدى شقق البناية المواجهة، ويبدو في كل غروب محملقا كمشدوه في اللاشيء، ولا شيء أو بادرة حركة تصدر عنه سوى ضرب أخماس في أسداس بأصابعه العشر، كمن افتقد كل شيء، لا بد أنه فلسطيني.

المطاردات لا تنقطع، والمدينة تبدو من كل زواياها ومنافذها كمثل سجن إن لم يكن حصنا كبيرا مسورا بآلات حرب الغزاة الخواجات الفاشست.

الفصل الثامن عشر

ظل المهاجر موقنا من أنه سيصل يوما إلى غايته ومرفئه الآمن، برغم أن كل ما حوله كان يشي بعكس ذلك، فالعدوان يستشري عبر اللحظة وما يعقبها، ولا شيء يمكن أن يوقفه، يعيده إلى صوابه، لا العالم ولا شعوبه ولا نقاباته ولا رأيه العام أصبح في مقدوره.

الجميع أخفقوا إلى حد الفشل، وضعوا أصابعهم في الشق، كل شقوق هذا العالم الذي نعيشه، ومنها بالطبع الشقوق البشرية، اللحم الطازج الأبيض والأسمر والنحاسي البشري.

لا بد أن هذا ما يحدث.

وضع الأصابع في الشقوق خلفا وأماما، عبر كل التكورات ثم الغشيان، التآمر.

Unknown page