19

Bayrut Baka Laylan

بيروت البكاء ليلا

Genres

حاول أن يستدير منفلتا في عنف من يد تحاول اللحاق به، حتى إن جيب سترته انقطع فلم يعبأ به جاريا متقدما بأقصى قواه، حتى إنه تجاوز بعضهم من الذين سرعان ما واصلوا تقدمهم ليجد نفسه في مؤخرة الفارين، عرضة لنيرانهم، أيديهم الطويلة إلى الخلف، وهم بالقطع أكثر سرعة، حنكة، توقد، كما أنهم يمتلكون أسلحة أكثر فتكا، مضافا إليها العقول، الخبرات، المناهج الملخصة، القفزات المباغتة للضفادع والحشرات النطاطة.

قفز بشكل أدهشه من قدراته، مخترقا صفوف النسوة والعواجيز المحتمين بالجدران، محافظا من جديد على تفوقه تقدمه أكثر إلى المقدمة.

جاهد طويلا في الاحتفاظ بتوازنه، ألا يصطدم بالباقين الأكثر حركة وعدوا، وتفادى محاولة من أحد الشبان لشنكلته بشكل واضح، حيث يسقط منبطحا. تلافي في حيوية أدهشته سقوط المنظار. كارثة، وضحك بعضهم من لخبطته وهو شبه منبطح على ركبتيه يجاهد طويلا في استعادة توازنه، استقامته قائما، ومواصلة العدو، بقامته الطويلة، وأطرافه العظمية المترامية، بينما ربطة عنقه قاتمة الزرقة تتطاير من حول عنقه، والتعليقات لا تكف عن ملاحقته.

حاول تعرف موقعه من الشارع الراكض بكامله من حوله وأمامه، وما إن حانت منه نظرة إلى الخلف حتى هاله أنه آخر الفارين.

دلف إلى حانة كمثل شق في جدار متناهي الطول والإظلام والإضاءات الخافتة الحمراء، ملقيا بنفسه على أول فوتيه صادفه، خلع منظاره وبيريهه، وفك وثاق قميصه. ظل يلهث ويسعل طويلا دون أن يثير أي انتباه.

كان من عادته عندما تغزوه النوبة وتقتحمه أن يركز بصره عن آخره على شيء محدد يتملك انتباهه دفعة واحدة.

وجاء ذلك الشيء: دمية لها حجم بشري، عرف فيما بعد أنها إحدى عرائس صقلية، بملابسها الكثيرة الزاهية الشعبية، ركبت فوق منصة إلى الخلف قليلا من المكان المعد للجوقة الموسيقية، لها شعر أنيق قصير كستنائي، وعلى صدرها النافر تتدلى الخرزات، وبإحدى يديها مظلة يابانية من الحرير الشيفون الملون.

اندفعت ترقص قافزة في الهواء رقصات صقلية على أنغام البيانولا، لحين الإيذان بخروج وفود الراقصات، ولهن هيئة الدمى وإيقاعها.

عرف من فوره وهو يجفف عرقه بمنديله أن الحانة يونانية، وبخاصة حين قدم له الساقي كوب ماء مثلج، فطالبه بمشروبه معتدلا وهو يعيد التطلع إلى المكان:

روم.

Unknown page