Bayna Din Wa Falsafa
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Genres
وأخيرا فيما يختص بالاستدلال على ثبوت هذا النوع من الصفات لله تعالى، نعني صفات الكمال التي يجب أن يتصف بها، يجيء الحديث عن صفة الكلام، ويبدأ فيلسوفنا فيعرف الكلام بأنه فعل يدل المتكلم به المخاطب على ما في نفسه، وهذا الفعل في الإنسان يكون بواسطة اللفظ، ثم يقول: «وإذا كان المخلوق الذي ليس بفاعل حقيقي يقدر على هذا الفعل من جهة ما هو عالم قادر، فكم بالحري أن يكون ذلك واجبا في الفاعل الحقيقي.»
19
يريد الله تعالى.
ولكن كما يذكر ابن رشد أيضا بعد ذلك، فرق بين الإنسان والله، إن كلام الإنسان يكون باللفظ يتلفظ به كما هو المعروف المشاهد، ولكن كلام الله قد يكون بواسطة ملك، أو قد يكون وحيا وإلهاما، كما قد يكون بواسطة لفظ يخلقه الله في سمع من يصطفيه بالتكليم، وإلى هذا كله أشار الله بقوله (سورة الشورى: 51):
ليس كمثله شيء ، وقوله (سورة النحل: 17):
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ، ويريد بقوله:
أو من وراء حجاب ، الكلام الذي يكون بواسطة الألفاظ يخلقها في نفس كليمه، وتلك هي الحالة التي خص بها موسى عليه السلام.
هكذا يرى فيلسوف الأندلس أن الله متكلم بهذا المعنى، وبإحدى هذه الطرق الثلاث، ولكن لنا أن نقول: هل يعتبر الله متكلما حقا برسول يرسله إلى من يصطفيه من خلقه، أو بإلهام يلقيه في ذهنه فينكشف له به المعاني التي يريدها الله تعالى، أو بألفاظ يخلقها في سمعه؟ أو أن الأولى أن نقول بأن هذا الرسول عندما ينطق بألفاظ تعبر عن مراد الله - الذي عرفه بحالة من تلك الحالات - يكون هو المتكلم؛ لأنه فعل فعلا قام بذاته ونفسه، لا الله الذي لم يقم بذاته شيء من الألفاظ التي نطق بها الرسول.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل نجد فيلسوفنا يلمس لمسا رفيقا، إلا أنه واضح سديد، مشكلة خطيرة كانت فترة من الزمن من سياسة الدولة العليا، نعني بها مشكلة القرآن أهو مخلوق أم غير مخلوق، هذه المشكلة التي أثارها المعتزلة والمأمون في عنفوان الدولة العباسية في أوائل القرن الثالث الهجري، كما نجده يقف من هذه المشكلة موقفا وسطا بين المعتزلة والأشاعرة.
وذلك بأن ابن رشد يرى أن الله يعتبر متكلما على وجهين: الكلام الأزلي الذي في نفسه،
Unknown page