وسألته عن ذكرياته مع السلطان، وترجم عنتر سؤالي إلى زعيق راح يصبه في أذنه وهو يغمز لي بعينه ويسخر من ثقل سمع أبيه. وضحك العجوز ضحكته ذات الكحة القصيرة وقال: ما بتدومش، عمره ما ركب القطر إلا برجله اليمين. ومرة نسي وركب برجله الشمال فخلاني وقفت القطر في السكة ونزل وركب برجله اليمين، ودايما كان مكشر ما يكلمشي إلا تركي.
وانخرط في ضحك متقطع قصير.
وقال عنتر وكأنما يعتذر: الراجل ده شاف عز كتير، كان بيلعب بالفلوس لعب، وما كانش يمشي إلا مع لا مؤاخذه ستات خواجات وأروام.
ولا أعرف لماذا ضحكت وقد تذكرت لومضة نفسي، ولماذا تضايقت من الحجرة والزيارة كلها فجأة ولم أهدأ إلا حين وجدت نفسي هناك أعبر كوبري أبو العلا في الطريق إلى بيتي، أرقب حركة المرور فوق الكوبري ويتسع بصري ليشمل النيل كله، وسانتي مطمئنة في صدري كالفرحة الدافئة مصونة والدنيا من حولي كلها ونس وسلام.
وحين جاءت الثالثة والنصف - موعد حضورها - كان وجهي حليقا ناعما، وبخار الحمام لا يزال يضمخ جسدي وملابسي كلها انتقيتها بعناية.
وكنت جالسا أدخن راضي النفس وأنتظر.
ولاح شبحها خلف زجاج الباب. وقبل أن أفتح قلت لنفسي: إنها لا بد قادمة هذه المرة وقد تغير فيها شيء. ولم يخب ظني فقد كانت ترتدي التايير الأنيق الأسود الذي دخلت به السينما معي، وبلوزة بيضاء ناصعة البيضاء، وكانت تضع تواليت كاملا. ومع أني كنت أفضلها بلا مساحيق وأحب فقط «روج» شفتيها، إلا أني أحسست بفرحة مضطربة خفية لرؤيتها كاملة الأناقة.
وفي تلك المرة كنت أنا الضاحك الباسم الطليق، وكانت هي قليلة الحركة كثيرة السرحان وكأن شيئا يحيرها وتريد إخفاء حيرتها. وابتساماتها كانت على الدوام تتتابع مشرقة متحمسة منطلقة تتابع الصواريخ الملونة في ليالي الاحتفالات، في تلك المرة ابتساماتها كانت ممدودة رخوة كابتسامات الأنثى في حضرة رجل.
وكنت كلما رأيتها منكمشة، وكلما وجدت نفسي منطلقا منفوشا مقهقها كالديك الرومي أحس بشفقة حب طاغية عليها، وأكاد آخذها بين ضلوعي وأطبق عليها نفسي وأحميها حتى من ذلك الإحساس الذي يدعوها للانكماش.
وقلت لها وأنا أعني حقيقة ما أقول: أتعلمين شيئا؟
Unknown page